فقه حضور المجالس

بسمه تعالى
لا بد لكل حركة من حركات الحياة من فقه لتلك الحركة، فإن المسائل الشرعية تحريما وتحليلا وكراهة واستحبابا، لا تنحصر في المفردات الجزئية البسيطة في حياتنا اليومية، بل تتعدى هذه المسائل للقضايا الحياتية المهمة، الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية، حتى في مجال التعامل مع الدول والملل وغير ذلك من مفردات هذه الحياة .
فمن الأمور التي تحتاج إلى إلمام بفقه ذلك، هو فقه المجالس، اى لقاؤنا ، اجتماعاتنا مع الأرحام، مع غير الأرحام مع المسلمين، مع غير المسلمين مع العصاة، مع الطائعين، كل هذه اللقاءات تحتاج إلى درجة من درجات الفقاهة، واستعياب القواعد الشرعية الأساسية في هذه المجالس .. وسنذكر بعض هذه القواعد، لأنها ستساهم في تقليل نسبة الحرام في حياة الإنسان المؤمن .
أولا قبل الذهاب المجالس، سواء كانت مجالس ثنائية أو مجالس اجتماعية، أن ندرس طبيعة ذلك المجلس، فإذا كان المجلس في مضان الحرام، اى الإنسان يحتمل أن يقع في الحرام ، فعليه أن يعد العدة، بمعنى أنه قبل أن يذهب إلى ذلك المجلس، يبني على أن يتصدي لكل منكر قد يورطه يوم القيامة :غيبة، تهمة، نميمة، تعريضا لإنسان مؤمن، هتكا لحرمة أحد، عليه أن يكون حازما وجازما في مواجهة المنكر، حتى أنه في بعض الفتاوى أن الإنسان إذا لم يحتمل التأثير – من ناحية يسقط عنه واجب النهي عن المنكر- ولكن يرى البعض ولو احتياطا وجوبيا أن يبدي الاستياء في ذلك المجلس.
من فقه المجالس أيضا الأعم من الفقه الظاهري والباطني هو المكوث فيها بمقدار اللزوم ، فان الإنسان ساعات عمره من أغلى عناصر هذا الوجود، وعليه إذا كان الغرض الاجتماعي الديني الشرعي يتحقق بمدة زمنية معينة، فان الزيادة عن ذلك في الواقع لهو وهدر للعمر، كما أنه في عالم الإنفاق يقال بأن الزيادة في الإنفاق في موضع الإنفاق يسمى إسرافا، كذلك إعطاء مساحة من العمر للغير زيادة عن اللزوم أيضا يسمى إسرافا في العمر.
كذلك من فقه المجالس تحويل المجالس إلى محطات التعليم والتذكير، ولإشاعة الثقافة الإسلامية الواعية .. واذا كان الزائر في مستوى دون المزور فعليه أن يستفهم ليتعلم من المزور شيئا، وإذا كان الزائر في مستوى أعلى من المزور فعليه أن يعلم شيئا، لأن منع الحكمة لأهلها ظلم لاهل الحكمة، كما إن إعطاء الحكمة لغير أهلها ظلم للحكمة .. وعليه فعلى الإنسان المؤمن أن يقوم بدور مميز: إما العالم المعلم أو إما المتعلم، لتكون هذه الجلسة في طريق زاد الآخرة .
ومن فقه المجالس ايضا ان الإنسان قد يسمع سرا في مجلس قد لا يحب صاحبه أن يشاع ذلك السر فعليه بالكتمان، وقديما قالوا كل سر جاوز الإثنين شاع، كل علم ليس في القرطاس ضاع .
وأخيرا قصد القربة في الزيارة، فان من يزور أخاه المؤمن متقربا إلى الله، فهو زور الله أي زائر الله حتى يرجع، كما أن الكعبة من شئون الله تعالى ، فمن زار الكعبة كأنما زار الله تعالى ، فان المؤمن أشرف من الكعبة فكأنه زار الله تعالى ايضا .
وأخيرا عندما يقوم من المجلس يستغفر ربه من الأخطاء المحتملة قائلا: ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ).