أهمية الدعاء في حياة الإنسان

أهمية الدعاء في حياة الإنسان

الشيخ علي العبادي

بسم الله الرحمن الرحيم

   للدعاء أهمية بالغة في حياة الإنسان منذ أن وجد على وجه البسيطة. ويكفي أن نعلم أنه بدأ مع بداية الخلق الأول. فقد مارسه أبوانا آدم وحواء ( عليهما السلام ) بعدما أزلهما الشيطان ، وأخرجهما من الجنة ، فقالا معتذران نادمان  { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23.

    وهكذا دأبت البشرية على ممارسة هذه العبادة الشفافة التي يختلي بها الإنسان مع ربه ، المطلع على حاله ، يشكو إليه همه وغمه ، ويرجوه أن يتجاوز عما صدر منه من سالف خطاياه ليغفر له ويرحمه. وان يأخذ بيده إلى بر الأمان. فيسأله من فضله ليستغني عن فضل البشر. لآنه تبارك وتعالى هو المتفضل علينا بالحياة ابتداء” حيث لاتخلو ذرة من ذرات كياننا إلا وله فيها أفضال موصولة، واستدامة”  فانه جل شأنه معنا أينما كنا ف { هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ }الحديد 4. وانتهاء” حيث سيتولى أخرانا كما تولى أولانا  ف{ َ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } الروم4.

    ولابد للإنسان أن يكون متيقنا” من أن الله تعالى معه أينما كان ، بل { أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ }الأنفال24. وعلى هذا فلينبغي للعبد أن يستغني عن سؤاله فهو القائل { َ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ }النساء32. وقد أعطى لعباده كل ما سألوه {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم34.

    لقد حث المولى تبارك وتعالى على الدعاء ضامنا” الاستجابة بقولة عز من قائل  {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 ، فهو تعالى قريب من عباده ، يسمع نجواهم ويلبي دعواهم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }البقرة186.

    والدعاء جوهر العبادة وحقيقتها . لذا ورد في الحديث النبوي الشريف ( إن الدعاء مخ العبادة ولايهلك مع الدعاء أحد ) بحار الأنوار: 30 \ 90 . وعنه ( صلى الله علي وآله وسلم ) : ( إن الله أحب شيئا” لنفسه وأبغضه لخلقه ، أبغض لخلقه المسألة ، وأحب لنفسه أن يسأل ، وليس شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يسأل ) المصدر السابق : 97 \ 392.

    وعلى هذا سار الأئمة الهداة الأطهار من بيت آل المصطفى ( صلوات الله عليهم أجمعين ) مؤدبين الخلق بضرورة الدعاء ، مبينين مكانته عند الله تعالى وأهميته للخلق.

فعن مولانا الإمام الباقر( عليه السلام ) قال : ( ولا تمل من الدعاء فانه من الله بمكان ) الوسائل : 7 \ 37.

وعن سيف التمار أنه قال : سمعت أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) يقول ( عليكم بالدعاء فأنكم لا تتقربون بمثله ) الوسائل: 7 \ 37.

ومن هنا ذكر الشيخ الآصفي في كتابه الموسوم الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام:

( إن الغاية من خلق الإنسان العبادة. والغاية من العبادة الانشداد إلى الله. والدعاء يحقق هذا الانشداد والارتباط من أوسع الأبواب وبأقوى الوسائل.)

    وتتفاوت أدعية العباد تبعا” لتفاوت مستويات عباداتهم ، ومدى معرفتهم بالله تبارك وتعالى. ومما لاشك فيه إن الأنبياء والأولياء سلام الله عليهم أجمعين هم أعلى مراتب الخلق، وأعرفهم بالله تعالى على الإطلاق. ومن هنا قال تعالى :  {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر28.

 لذا نراهم ( عليهم الصلاة والسلام ) قد اهتموا بهذه العبادة المقدسة اهتماما” بالغا”.فهم يلجؤن إلى الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة ، آناء الليل وأطراف النهار.

    وتشكل أدعيتهم ( عليهم السلام ) المباركة – إضافة إلى جانبها العبادي – فنا ” متكاملا ” وعلى جميع المستويات المعرفية والبلاغية والنحوية والأدبية. مع علمهم الثابت والراسخ بأنه تبارك وتعالى معهم أينما حلوا وارتحلوا .

    ولو تأملنا النصوص المباركة الحاكية عن سيرة الأنبياء والمرسلين ( عليهم الصلاة والسلام ) لوجدنا قصصا ” مشوقة مملوءة بالحواريات العالية المضامين، والتي لايصل إليها أي أديب من الأدباء مهما علت مكانته وارتفعت شأنيته. فهي نصوص رائعة تمثل الأدب الكامل والخلق الرفيع . أدعية حية كاشفة عن تعلقهم ( عليهم السلام ) بمولاهم ، الذي يتواصلون معه في كل لحظة من لحظات حياتهم المباركة .

    فلا نبالغ لو قلنا بأنه لم تهتم شريعة من الشرائع مثلما  اهتمت الشريعة الإسلامية السمحاء بالدعاء . فوضعت له أسسا ” وآدابا” وشروطا”. ولم تترك ذلك للناس في أن يدعوا كيفما شاؤا. حتى رأينا من النصوص القرآنية والأحاديث المباركة لأهل بيت العصمة التي تبين كيفية الدعاء، وفيم يكون. وغير ذلك مما له ارتباط وثيق بهذه العبادة المباركة.

    وفيما يلي بعض النصوص القرآنية الكريمة الموجهة لكيفية الدعاء. نذكرها للتبرك لا الحصر:

{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف180.

{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }الأعراف55 .

 

{قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى  }الإسراء110.

{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }غافر14

{وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ }المؤمنون29

{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً }الإسراء80

{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10.

{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران.16.

وغير ذلك من النصوص المباركة الكثيرة الدالة على  كيفية وآداب الدعاء ،و شروط الاستجابة والأهمية والغاية منه. وكل ما يرتبط به والحاجة إليه. فلا ينبغي للعباد التقصير والتقاعس عن هذه العبادة.

    وقد تكفل المعصومون عليهم السلام  بنصوص رائعة من الأدعية المباركة كشفت عن تعلقهم بها . واضعين حاجاتهم وحاجات الخلق أجمعين بين يدي الله تعالى . ولايكاد تخلو مناسبة من المناسبات الا ولهم فيها باعا” طويلا” من الأدغية والمناجات. وأحيل القارئ الكريم إلى كتاب مفاتيح الجنان والصحيفة السجادية وغيرها من الكتب التي تنورت بكلماتهم النورانية التي غطت كل المساحات التي يحتاجها الإنسان المؤمن الذي لايجد إلا الله تعالى مجيبا.

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ }آل عمران193.

 صدق الله العلي العظيم وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على خير الخلق أجمعين محمد  وآله الطيبين الطاهرين.