فلسفة اقامة الاحتفالات
بسمه تعالى
إن هنالك بعض المفاهيم الواضحة عندنا، إذ أننا نحتفل بذكرى قادتنا، فنفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم.. ولكن المؤمن في المسائل التي تثار حولها الدلائل والمناقشات، عليه أن يلّم بجواب قصير مركّز ونافع، لا أن يكون متحيراً عندما تُثار مشكلة من المشاكل.
إن آخر الزمان معروف بأمرين: كثرة الشهوات، وكثرة الشبهات.. فالشهوات: التي تنفذ من خلال جوارح الإنسان.. والشبهات: التي تنفذ من خلال فكر الإنسان.. فهنالك جراثيم، تغمر جوارح الإنسان.. وهنالك قسم من الجراثيم التي تغمر فكر الإنسان، فيبتلى بمرض الشهوات من جانب، أو الشبهات من جانب آخر.. ولهذا يجب علينا أن نسير في تصفية أنفسنا: قلباً، وقالبا.. جوارحاً، وجوانحاً.. لنكون من الفائزين في زمان الفتن.. وأن يكون شعارنا: ممن يستمعون القول، فيتّبعون أحسنه.
إن على المؤمن أن لا يضع الحكمة في غير موضعها.. فإنْ رأى متحيراً، يفتح قلبه وفكره له.. وأما إذا رأى مجاهداً معتنقاً فكرة تبناها، ولا يهمه أن يفهم أدلة الطرف الآخر، فليدع عنه النقاش.. لأنه من مصاديق الجدل.. وعمره، ووقته، وجهده، سيذهب هباء منثوراً.
إن في مناقشة الموقف تجاه إحياء ذكرى مولد النبي (ص)، الذي يتفق جميع المسلمون على نبوته ورسالته وقيمه، فهنالك ثلاثة براهين:
البرهان الأول: ما دام لم يكن هناك نهي من الشارع، فالحكم الإباحة.. إن الإسلام أعطانا مساحة، نسميها منطقة الفراغ والإباحة.. فكل شيء لك حلال، والحرام يحتاج إلى دليل.. والقرآن يصف الذين يفترون على الله الكذب، ويتقوّلون على الدين بغير دليل، بأنهم من أظلم الناس.. فالإسلام دين اليسر، والشريعة سمحة سهلة.. وكل ظاهرة ليس لها دليلٌ من الحرمة، تجعل الأشياء تبقى على إباحتها.. وما دمت لا تخالف نهياً صريحاً، فأنت حر في حياتك.. بل أنك ستثاب إذا قمت بأمر حلال، متقرباً إلى الله عز وجل، راجياً لخير أو دافعاً عن شر.. والإنسان الذي يتقوى على الطاعة، ويبتعد عن الشبهات، فهو مثاب في عقيدتنا.. إذ أن كل عمل يُراد به وجه الله عز وجل، فإن له الأجر في ذلك، كما وعد الله سبحانه وتعالى.
البرهان الثاني: أوضح القرآن الكريم أن النبي الأعظم (ص) لا يقبل أجراً على الرسالة، إلا المودة في القربى.. والتي هي حركة في القلب، وغاية الحب.. وهذه المودة لها معجزاتها، وتظهر بشكل مادي في حياتنا اليومية.. فعندما يذهب الإنسان إلى المستشفى، ليعود مريضا، ألا يأخذ معه وردة أو قطعة من الحلوى، تعبيراً عن المودة؟.. فإنه إن لم يفعل ذلك، فإنه لم يزر المريض حق زيارته.. فكل الأشخاص والملل، يعكسون محبتهم على شكل قطعة مادية هدية.. ومودة أهل البيت -هدية النبي (ص)- تحتاج إلى حركة مادية.. فمثلاً: أصحاب النبي (ص) كانوا يظهرون ولاءهم له، بتبركهم بماء وضوئه في حياته، فكان لا ينزل منه شيء إلى الأرض.
فإذن، إن المودة تنعكس على شكل حركة مادية.. ومن أفضل أنواع إظهار المودة لنبي الله (ص) وآله الأطهار، هو أن نقيم ذكرى احتفالهم في هذه المناسبات.. فالدول بعد الحروب تجعل مزاراً لشهداء المعارك، وتنصب نصباً تذكارياً للذي لا أثر له.. فهذا شأن الأمم، في تجسيد المعاني الشعورية والباطنية، على شكل حركة تذكارية مادية.
البرهان الثالث: الآيات القرآنية، التي تذكر بعض النماذج الشخصية.. إن السكينة محلها القلب، فالقلب يسكن، ويطمئن.. قال تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين}.. فهذه السكينة المعنوية، جعلها الله تعبر عن التابوت في قوله: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم}.. فالسكينة أمر قلبي جعلها الله مرتبطة بأمر مادي، وهو التابوت، الذي جُعل فيه موسى.
وعليه، فإن قرن المعاني المعنوية بالمواد المحسوسة، أمرٌ وارد.. وفي سورة المائدة قال تعالى: {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا}.. إن وجود المائدة، كان عيداً لنبي الله عيسى -بمعنى من المعاني-.. ونحن في عيد الأضحى، نحتفل بأننا أتممنا نُسكنا.. وفي عيد الفطر، نحتفل بذكرى انتصارنا على الشيطان.. وفي يوم مولد رسول الله (ص)، نحتفل بأن الله سبحانه منّ علينا بمولد المصطفى (ص)، فكان لنا هداية من الضلال.. فبدونه (ص) ما كنا لنستطيع التوصل للعقيدة، بعدما تعرّض له نبي الله عيسى عليه السلام، من تحريف كتابه، ومحاولة قتله من الذين لم يعرفوا قيمته.. ولكن بعدما منّ الله عز وجل علينا بالرسول الأكرم (ص)، عرفنا طريق الإسلام والهداية.. فما علينا إلا أن نستشعر هذه المنحة الإلهية، التي تستحق أن تخلد وتذكر على مر العصور.