عبد الكريم سروش والخلط المعرفي 2

384

عبد الكريم سروش والخلط المعرفي

الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

    إن عبد الكريم سروش يقتبس من الهرمنيوطيقيا الشيء الكثير في بناء نظريته حول (القبض والبسط) وفق منهج هرمنيوطيقي تأويلي وابستمولوجي مستمد من اطروحات (عمانويل كانط)، كما ولا يخفى استفادة سروش من نظريات (غاستون باشلار) في مفهوم القطيعة، ونظريات (غروفيتش) حول الأطر الاجتماعية للمعرفة، وما طرحه (توماس كون) حول الباراديغم، وكذلك ما أخذه من (غادامير) من كون الإنسان موجود تاريخي، وما انتحله من أفكار وطروحات (هايدجر)، كما وان سروش يؤسس لتصور عن الدين بطابع فردي متأثر بالتحولات التي طرأت على الفكر اللاهوتي المسيحي وفق تصورات (تليش) التي اقتبس سروش منها الشيء الكثير.

نعم، (إن المفكر سروش دخل في إعادة ترتيب المكونات الفكرية للرواية الإسلامية، ليوجد فسحة لمثل تلك النظريات “جون لوك، وروسو، ودارون” من جهة، وأوغل في تفاصيل نقد البنى الفكرية الإسلامية، لا سيما في الفقه والأصول، ليرتب مساحة تستقر عليها الليبرالية في التفكير الإسلامي ويؤسس إما لدين علماني، أو لتفكير علماني للدين)([1]).

إن مصطلح (النقد الثقافي) هو من اطروحات (فنسنت ليتش) التي سرقها عبد الكريم سروش وتبجح بها من دون إشارة لصاحبها لا من قريب ولا من بعيد، فنجد ـ على سبيل المثال ـ ان ميجان الرويلي وسعد البازعي يؤرخان لمصطلح (النقد الثقافي) ويذكران رواده، ومنهم كذلك المفكر الألماني (تيودور أدورنو) في مقال له نشره عام (1949م) حينما شن هجوماً على الثقافة الأوربية حينها([2]).

ويمكن لنا ـ تتبعياً ـ اكتشاف الكثير من الانتحالات والسرقات في كتابات عبد الكريم سروش كـ(المجتمع المدني)، و(الليبرالية)، و(نظرية الحق الطبيعي)، و(الطبيعة البشرية)، (والتجريبية، والحتمية التاريخية).

فجون لوك (1632 ـ 1714م) هو صاحب نظرية (تحليل الطبيعة البشرية)، ويعتبر من أشهر المفكرين الذين نظروا لنظرية (الحق الطبيعي)، مضافاً إلى ما أخذه عبد الكريم سروش من أفكار باروخ سبينوزا (1632 ـ 1677م)، ومن توماس هوبز (1588 ـ 1679م)، ومن رينيه ديكارت (1596 ـ 1650م)، وغيرهم.

كما واننا نجده يسرق مصطلح (الحتمية التاريخية)([3])، والذي أخذه من أفكار كارل ماركس (1818 ـ 1883م)، والمادية التاريخية، والطرح (التاريخاني)([4]).

إن عبد الكريم سروش وفي جميع طروحاته التي يتبجح بها قد حاول صناعة بديهيات مغشوشة لكي يتسنمها نحو مبتغاه من دون الإشارة للآراء المخالفة لها أو الناقدة أو المغايرة. (وهكذا جاءت نظرية الحق الطبيعي، المرتكز على تحليل الطبيعة الإنسانية في الفكر الليبرالي كمعارض لنظرية الحق الإلهي والتكاليف الإلهية ودائرة حق الطاعة للمولى تبارك وتعالى، التي تعتقد بالثوابت الفطرية والابعاد الأخلاقية عند الإنسان، وان الإنسان مطالب بالارتقاء والتكامل والمطابقة مع هذه الثوابت، وان المعرفة هي طلب الحقيقة والمطابقة معها وليس الحقيقة هي في المنفعة واللذة وتجنب الآلام)([5]).

أما الحتمية التاريخية فقوله بها قد (تضمن حتمية مبالغ فيها، ولا تصح بهذه الصرامة، قالها الرجل لغاية في نفسه ليستخدمها سيفاً مسلطاً وقانوناً دامغاً لنزع الصفة الإلهية عن دين الإسلام، وصلاحيته لكل زمان ومكان)([6]).

 

((يتبع))



[1] قراءات في الفكر الإسلامي المعاصر، عبد الأمير زاهد، ص121.

[2] دليل الناقد الأدبي، الرويلي والبازعي، ص306.

[3]  بسط التجربة النبوية، عبد الكريم سروش، ص181 ـ 182.

[4] 0 بسط التجربة النبوية، ص120.

[5] مباني الدين التجريبي، غالب الناصر، ص157.

[6] نقض كتاب بسط التجربة النبوية، خالد كبير علال، ص5.