التكامل في المراقبة الباطنية
بسمه تعالى
إن المؤمنين قسمان: هنالك طائفة من المؤمنين يهمهم العمل بظواهر الشريعة، بمعنى إتقان الرسالة العملية فقط.. والحال بأن دائرة الدين أوسع مما في الرسالة العملية.. ولا شك أن الرسالة العملية تتناول قسما كبيرا من السلوك اليومي، ولكن ليس في الرسالة فتاوى بالنسبة إلى المراقبة الباطنية!.. كمراقبة فضول النظر، وفضول القول.. فهذه الأمور التكاملية لا يتطرق إليها الفقيه، لأنها ليست بواجبة.. فالفقيه يذكر الواجب، والحرام، والمكروه، والمستحب.. أما الأمور التكاملية فيتكفل بها علم آخر، هو علم الأخلاق، العلم الذي يتناول السلوك الدقيق، والسلوك الذي ينبغي أن يكون مطابقا لرضى الله عز وجل.. حتى في مجال المباحات.
إن الإنسان الكامل، والولي الواصل أحكامه أربعة: أما المباح فلا مجال له في حياته.. وما يترائ للإنسان بأنه مباح، كالأكل والشرب حتى قضاؤه للحاجة، فإن هذه الحركة الحيوانية، التي لا يقيم لها الإنسان وزنا، فإن لها آدابها في الشريعة، وهنالك بعض الأدعية الخاصة بها.. إن بعض المؤمنين يستنكف من الدعاء في الحمام، والحال بأن هذا خلاف المُسَلمات التي ورثناها من تراث أهل البيت عليهم السلام.
إن من آداب دخول الحمام، أن تقدم الرجل اليسرى، وعند الخروج تقدم الرجل اليمنى.. وهنالك بعض الأدعية البليغة.. فالإسلام يريد من الإنسان أن يتصل بالمبدأ حتى في مثل هذه الحالة.. ففي حديث عن نبي الله موسى صلوات الله وسلامه عليه -ما مضمونه-: أنه قال لرب العالمين: (إن هنالك بعض الحالات، أُجلُك عن الذكر في تلك الحالات).. ولكن رب العالمين أجابه قائلا -بهذا المضمون-: (إذكرني على كل حال).. فليس هنالك وقت دون وقت لذكر الله عز وجل.. حتى أننا أُمرنا بالتقنع عند الذهاب إلى بيت الخلاء، كأن الإنسان يستحي من ربه، وهو في هذه الحالة يتقنّع، ويجعل بينه وبين الله تعالى عز وجل حجابا ماديا، رغم أنه لا حجاب بين العبد وبين ربه.
وعليه، فإن على الإنسان أن يكون مراقبا لنفسه في أدق سلوكياته مع الآخرين.. وحينما يدخل الإنسان السوق، حيث أنه دار أهل الغفلة، لما فيه من حركات تجارية، ولما هو معروض في المحلات من صور المتاع وما شابه ذلك.. فالمؤمن حتى في السوق يلزم نفسه بذكر الله عز وجل، وقد ورد أن الذكر بين الغافلين كالمجاهد بين الصابرين أو المقاتلين، فهكذا أُمرنا في مواطن الغفلة.