العجب ماحق الاحسان

159

بسمه تعالى  

إنّ من الملفت أن عليا عليه السلام في كتابته لولاته على البلدان، أن يوصيهم بوصايا تمس عالم الأرواح.. وقد جرت عادة السلاطين أن يوصوا الولاة بما يعود إلى مملكتهم من الناحية المادية: كسباً للضرائب، وإحلالاً للأمن، وبشكل موجز تيسير الأمور بما يصب لمصلحة السلطان.. ولكن الغريب – وطبعا ليس بغريب على علي (ع) وهو إمام الموحدين- أنه لما ولى الأشتر على مصر أوصاه بوصايا نفسية، وجعل علم الأخلاق والمناقب جزءاً من مهمات هذا الوالي الذي سجل اسمه في التاريخ، حيث يقول له (ع): (إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها)!.. فقد أوصاه بأن يتعالى على حالة الذاتية وحب الأنا، لأننا نعلم بأن الإنسان في كثير من الأوقات تتحول بعض المحبوبات لديه إلى آلهة تعبد من دون الله تعالى، فكل ما يلهيك عن ذكر الله عز وجل فهو إله يُعبد، وكل ما تتوجه إليه أيضاً هو إله يُعبد.. ولهذا ورد ما مضمونه: أنه من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده، فإن كان ينطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان ينطق عن إبليس أو الشيطان فقد عبد إبليس .
فإذن إن الإمام عليه السلام يحذر الأشتر من أن يعجب بنفسه، وخاصةً في مواقع المسؤولية، ولهذا الإمام يقول: (وحب الإطراء).. أي يا مالك!.. أنت في موقعٍ من الممكن أن يطريك الآخرون.. وخاصةً إذا كان والياً من قِبل علي، وكان ملتزماً بلوازم الإمارة الإسلامية، فمن الطبيعي أن يطرى الرجل، ولهذا يقول عليه السلام: وحب الإطراء.
والمصيبة هي أن الإنسان الذي يُعجب بنفسه عادةً يكون من العاملين، لأن غير العامل ليس له ما يعجبه، فهو يعيش حالة المقت لنفسه.. ولكن الإنسان العامل هو في مظان العجب؛ ليقول إمامنا عليه السلام في آخر توصيته: (ليمحق ما يكون من إحسان المُحسن).. أي أن إحسان المُحسن يمحق من خلال هذه الحالة من الإعجاب بالنفس.. ولو التفت الإنسان إلى حياته، لرأى عندما ينظر وراءه من سنوات الغفلة، ومن ساعات السهو والشهوة والمعاصي -على الأقل فيما بعد أيام البلوغ- فانه سيلاحظ كثيرا من التقصير العمدي وغيره الرافع بدوره لحالة العجب.. فمن منا كان ملتزماً أشد الإلتزام في سنوات بلوغه؟!.. فتكفي هذه القطعة من التاريخ الأسود، أو ما يشبه ذلك، لأن يعيش حالة الندامة ولخجل دائما بين يدي الله عز وجل.
وأخيرا – وكما نعلم – إن الأمور بخواتيمها، فمن لا يعلم حسن خاتمته فلا ينبغي أن يُغش بما هو فيه من الحالة الإيجابية الحسنة، فكم خُتمت الحياة بخواتيم سيئة كما نعلم في تاريخ المنتكسين!..