تحقيق في الإرسال المحتمل بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق
تحقيق في الإرسال المحتمل بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق
سماحة الشيخ محمد اليعقوبي
احتمل السيد البروجردي (قدس سره) وجود إرسال بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق عند مناقشة رواية الأحول (وهو محمد بن علي الملقب بمؤمن الطاق) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في إرث الزوجة من العقار قال: سمعته يقول: (لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء والشجر والنخل) يعني من البناء الدور وإنما عنى من النساء الزوجة([1]).
والبحث في اعتبار هذه الرواية له أهمية خاصة لأنها النص الوحيد الذي ورد فيه إعطاء الزوجة ميراثها من الشجر والنخل قيمةً لا عيناً، وهو الحكم الذي استقر عليه مشهور علماء الإمامية في القرون الأخيرة حيث اختاره صاحب الرياض والمستند والجواهر([2])، حتى مراجع العصر([3])، فلا يقال: إننا في غنى عن البحث في حجية الرواية لأن روايات حرمان الزوجة من العقار بلغت حد التواتر أو الاستفاضة.
وقد انفرد الشيخ الصدوق بروايتها في الفقيه بسنده عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد ذكر (قدس سره) في مشيخة الفقيه أن سنده إلى ابن محبوب: ((محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب)).
أقول: وصف المحدث النوري هذا السند بأنه ((صحيح بالاتفاق))([4]).
أقول: هذا ظاهر لمن لاحظ رجال السند، نعم قد يتوهم عدم التصريح بالوثاقة في محمد بن موسى بن المتوكل، إلا أن أهل الفن لم يترددوا في توثيقه ونقلوا عن خلاصة العلامة ورجال ابن داوود ذلك صريحاً ونقل أبو علي الحائري وصفه في كتاب المشتركات ((ابن موسى بن المتوكل الثقة)) ونقل الوحيد البهبهاني في تعليقته الترحّم والترضّي([5]) عليه علماً أن ((العلامة وثقه في (58) من الباب (1) من حرف الميم من القسم الأول، وابن داوود في (1482) من القسم الأول صريحاً، وادعى ابن طاووس في فلاح السائل، الفصل 19: الاتفاق على وثاقته، فالنتيجة: أن الرجل لا ينبغي التوقف في وثاقته، وقد أكثر الصدوق الرواية عنه، وذكره في المشيخة في طرقه إلى الكتب في ثمانية وأربعين مورداً))([6]).
وقد يتوهم أيضاً أن منشأ الإشكال في السند احتمال اشتراك([7]) لقب الأحول مع بعض المجاهيل لكنه توهم لا يُعبأ به، لوضوح انصراف العنوان إلى مؤمن الطاق والتباني على ذلك.
أما احتمال الإرسال الذي ذكره السيد البروجردي (قدس سره) فلا أعهد أحداً صرّح به قبله (قدس سره) ولذا وُصفت الرواية بالصحيحة في كتب المحققين، نعم حفلت كتب الرجال بتسجيل نفس الإشكال على رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي فقيل بوجود إرسال بينهما، فانقدح الإشكال عند السيد (قدس سره) لمقاربة بين أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق في تأريخ الوفاة، كما سنبيّن في الوجه الثالث إن شاء الله تعالى.
هذا وقد سبق الشهيد الثاني (قدس سره) إلى الإشكال على سند الرواية إذ قال في المسالك: ((لكن –أي الاستدلال بصحيحة الأحول- يتوقف على تحقيق السند))([8]).
أقول: يمكن أن يكون توقّفه (قدس سره) بلحاظ أحد المنشأين المتقدمين، ولكن بعد الذي ذكرناه من الاتفاق على صحة سند الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى الحسن بن محبوب وإلغاء توهم اشتراك عنوان الأحول، فكأن الإشكال يتعين في الموضع محل البحث، وربما تشعر عبارته (قدس سره) في هامش إحدى نسخ المسالك إلى تحديد هذا الموضع من الإشكال، قال: ((هذه الرواية ذكرها الشهيد في حاشيته على القواعد ونسبها إلى الفقيه، عن الحسن بن محبوب عن الأحول عنه (عليه السلام) فينبغي تحقيق أمرها)).
لكن صاحب مفتاح الكرامة لم يخطر على باله أن منشأ إشكال الشهيد على سند الصحيحة هو من هذه الجهة لذا رد على إشكال الشهيد بقوله: ((السند صحيح، لأن طريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح فالرواية صحيحة))([9]).
وعلى أي حال فقد أورد السيد البروجردي (قدس سره) هذا الاحتمال للإرسال في عدة مواضع من رسالته في إرث الزوجة([10])، على صغر حجمها.
ويمكن تقريب عدة وجوه بني عليها هذا الاحتمال:-
الوجه الأول: نظريته في تقسيم طبقات الرجال لكون ((الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة فلذا يحتمل كونها مرسلة))([11]).
أقول: لخّص المقرر هذه النظرية بقوله: ((هذا اصطلاح خاص لسيدنا الأستاذ الأكبر (قدس سره) حيث أنه قد ألّف كتاب طبقات الرجال ورتّبه على ثلاث طبقات كل طبقة مشتملة على اثنتي عشرة مرتبة، من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمن الباقر (عليه السلام) اثنا عشر ومن زمانه إلى محمد بن الحسن الطوسي اثنا عشر ومن زمانه إلى زمان نفسه (قدس سره) اثنا عشر))([12]).
الوجه الثاني:
استقراء تأريخي لحياة الرجلين إذ قال في موضع آخر: ((فلو لم نقل بحجية رواية محمد بن علي بن النعمان الأحول: باعتبار أن الراوي عنه الحسن بن محبوب وهو مات في حال طفوليته، فروايته عنه تصير مرسلة))([13]).
أقول: أي أن مؤمن الطاق مات وابن محبوب طفل لا يدرك فلا تصح روايته عنه. وقال في موضع ثالث: ((ورواية الأحول قد قلنا أنها غير حجة للإرسال))([14]).
أقول: ربما كان هذا الاحتمال مبنياً على استبعاد إدراك الحسن بن محبوب لمؤمن الطاق بعمر يؤهله لتلقي الرواية منه؛ لأن مؤمن الطاق وإن بقي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) سنة 148 هـ كما تدل عليه مناظرته مع أبي حنيفة([15])، إلا أن المظنون –بحسب المستشكل- أنه لم يعمّر كثيراً بعده لأنه كان كبير السن يومئذٍ بقرينة كونه شخصية اجتماعية معروفة عند قيام زيد الشهيد بثورته سنة 121 حيث دعاه شخصياً لنصرته في حوارية معروفة([16])، وقول البرقي عنه أنه ((ممن أدرك أبا جعفر))([17]) وربما ظن –كما حصل للمرحوم الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب([18])– أنه هو المقصود بقول النجاشي في ترجمته: ((روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)))([19])، فيظهر من مجموع هذه القرائن أنه كان كبير السن عند استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) فلا يحتمل بقاؤه كثيراً بعد سنة 148هـ.
أما الحسن بن محبوب فقد روى الكشي أنه ((مات في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين وكان من أبناء خمس وسبعين))([20]) فتكون ولادته سنة 149 هـ أي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بسنة واحدة فهو إما لم يدرك مؤمن الطاق أو أدركه وهو طفل كما قال السيد (قدس سره)، فلا تصح روايته عنه مباشرة.
وقد يؤيد هذا الاحتمال بأمرين:-
أ- وقوع مثل هذه الحالة –أعني سقوط الواسطة بين ابن محبوب وأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ((فقد روى الشيخ عنه رواية مباشرة عن الإمام الصادق (عليه السلام) (التهذيب: ج10، باب البينات على القطع، الحديث 674) إلا أن هذه الرواية رواها محمد بن يعقوب بسنده عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في (الكافي: ج7، كتاب الديات، باب العاقلة: 53، ح1) وكذلك في (الفقيه: ج4، باب العاقلة، ح 357)، فالظاهر أن الواسطة سقطت عن كلام الشيخ))([21]).
ب- عدم رواية مؤمن الطاق عن الإمام الكاظم (عليه السلام).
الوجه الثالث: وجود هذا الظن في حالة مقاربة لرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق وهي روايته عن أبي حمزة الثمالي، وقد اتهمه الأصحاب فيها، فقد نقل النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى عن الكشي عن نصر بن الصباح قوله: ((ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أن أصحابنا يتهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي ثم تاب ورجع عن هذا القول))([22]).
أقول: وعلق القهبائي في ترتيب الفهرست على طريق الشيخ إلى أبي حمزة الذي ينتهي بالحسن بن محبوب عنه قال: ((فيه إرسال، فإنه لا يمكن رواية ابن محبوب عن الثمالي لما علم من تأريخ فوتهما)).
وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته في ترجمة الحسن بن محبوب: 108: ((إن التهمة في روايته عن أبي حمزة ثابت بن دينار، وأن وفاة أبي حمزة كانت سنة خمسين ومائة، فبملاحظة سن الحسن وسن وفاته يظهر أن تولد الحسن كان قبل وفاة أبي حمزة بسنة والظاهر أن هذا منشأ تهمته، وربما يظهر من ترجمة أحمد أن تهمته من روايته وأخذه عنه في صغر سنه)).
أقول: وجه المقاربة هو تقارب وفاتي أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق بحسب التحليل التأريخي المتقدم فالإشكال واحد.
ويرد على (الوجه الأول) للإشكال:-
- إن المعلومات التي بنى عليها جعل الرجلين في الرابعة والسادسة يشكل الاعتماد عليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
- المناقشة في أصل النظرية ومستنداتها، ولو في ضوء الخلاصة التي نقلناها آنفاً عن مقرّر بحثه الشريف فالفترات الثلاث التي قسّم إليها الطبقات متباينة جداً ولا نعلم لها وجهاً.
- إن نظريته (قدس سره) في تقسيم طبقات الرجال تؤدي إلى نتائج تقريبية ولا يمكن التعويل عليها في نفي رواية أحد عن أحد إلا إذا وجدت قرائن وشواهد عليه، لتداخل الأجيال فمن الرجال من روى عن أربعة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كأبي حمزة الثمالي، وعاش علي بن جعفر إلى إمامة حفيد أخيه الإمام الجواد (عليه السلام)، ومن الرجال من روى عن أقران جده، وهكذا وقع إدراك بعض المتأخرين لبعض المتقدمين عليهم بعدة أجيال لطول عمر الأستاذ وطول مدة إفادته، او لاشتغال التلميذ في وقت مبكر فيختصر الوسائط إلى الأصل، فيصفون سنده بالعالي، ومن أمثلتهم في عصرنا المرحوم الشيخ أغابزرك الطهراني (1293-1390) الذي ساهم بحذف واسطتين وصار بعض كهول اليوم (1437) يروون عن الميرزا النوري صاحب المستدرك (توفي 1320 هجـ) بواسطة واحدة. وقد أُلِّفت كتب في مثل هذه الأسانيد التي تتصف بقلة الوسائط تسمى (قرب الإسناد).
وعلى هذا فرواية أصحاب الطبقة السادسة عن الرابعة ممكن. وقد أورد المحقق أغا بزرك الطهراني أسماء عدد من الأصحاب جمعوا ما تحصّل لهم من (قرب الإسناد) وقال في تعريفه: ((قرب الإسناد: مجموع من الأخبار المسندة إلى المعصوم (عليه السلام) لقلة وسائطه، وقد كان الإسناد العالي عند القدماء مما يُشد له الرحال، ويبتهج به أعين الرجال، ولذا أفرده بالتصنيف جمعٌ منهم شيخ القميين عبد الله بن جعفر الحميري، سمع منه أهل الكوفة في سنة نيف وتسعين ومائتين، وقد جمع الأسانيد العالية إلى كل إمام في جزء))([23]). ولوالد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329 هـ كتاب في قرب الإسناد يرويه عنه النجاشي المتوفى سنة 450 هـ بواسطة واحدة وهذا سند عالٍ أيضاً، وهكذا غيرهم فراجع. - إن رواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق لم تختص بهذه حتى نحتمل الخلل فيها بل تعددت رواياته عنه وتنوعت الكتب التي أوردتها، فقد روى عنه في تفسير القمي في تفسير قوله تعالى من سورة الزمر: [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ].
وفي أصول الكافي (ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب 1، في تنقل أحوال القلب، ح1، وفي باب 60، الحب في الله والبغض في الله، ح3) وروى عنه في روضة الكافي، ح368. - قول الشيخ (قدس سره) عن الحسن أنه روى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فرواية الحسن عن طبقة مؤمن الطاق واردة، بل إن ابن محبوب روى عمّن هو أقدم من مؤمن الطاق كأبي حمزة الثمالي وروايته عنه كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعن أبي الجارود العبدي وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ووفاته مقاربة لأبي حمزة الثمالي فقد حكي عن ابن حجر قوله: ((ذكره البخاري في فصل من مات من خمسين ومئة إلى الستين))([24]).
- إن السيد (قدس سره) طبق نظريته هذه في مورد آخر في نفس الرسالة والتوهم فيه واضح فقد وصف رواية([25]) الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) بـ((أنها مرسلة)) وقال في موضع آخر: ((وكذا لو لم نقل بحجية رواية محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة باعتبار احتمال إرسالها))([26]).
أقول: لم يبين موضع الإرسال في سندها وإن كان يقصد محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة فإنه لا أساس له من الصحة؛ لأن ابن حمران –وهو النهدي- روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وعن محمد بن مسلم وزرارة وهكذا في بقية رجال السند فإنه متصل لا إرسال فيه، ولذا علق المقرر في الهامش قائلاً: ((هكذا بيّنه الأستاذ الأكبر (قدس سره) على ما هو ببالي –وهو أعلم بما قال- فإنه (قدس سره) كان خرّيتاً لهذا الفن وإلا فالظاهر كونها مسندة)).
ويرد على الوجه الثاني للإشكال أمور:-
- إن هذه النتيجة التي بنى عليها السيد (قدس سره) إشكاله مستندة بشكل أساسي إلى المعلومة التي أوردها الكشي ورواها عن علي بن محمد القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب، والأول لم يرد فيه توثيق والثاني مجهول ولا يُعلم أنه أدرك جده الحسن وأخذ عنه تأريخه فالمعلومة غير موثوقة.
- إن استبعاد بقاء مؤمن الطاق طويلاً بعد الإمام الصادق (عليه السلام) لا دليل عليه لأن تعبير البرقي: ((أدرك أبا جعفر)) تعني أنه صحبه مدة قصيرة في أواخر حياته ولم يرو عنه لذا لم يذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، وأما قول النجاشي فإنه يخص ابن عم أبيه الحسين بن المنذر وليس مؤمن الطاق كما لا يخفى على المتأمل في العبارة.
قال: ((وعم أبيه المنذر بن أبي طريفة روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام)، وابن عمه الحسين بن منذر بن أبي طريفة روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) )).
وممن توهم عودة هذه الفقرة إلى صاحب الترجمة المرحوم الشيخ عباس القمي في (الكنى والألقاب)([27])، وقول البرقي المتقدم دليل على عدم صحة هذا الاعتقاد. - وعلى عكس الاستبعاد المذكور فإنه يمكن تقريب بقاء مؤمن الطاق بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بما لا يقل عن عشر سنوات([28])، وذلك لأن الشيخ الطوسي (قدس سره) عدّ مؤمن الطاق من أصحاب الإمام الكاظم([29]) (عليه السلام)، وقد كانت الفترة الأولى من إمامة الكاظم (عليه السلام) قاسية جداً، وأمر المنصور العباسي واليه على المدينة أن يقتل من يجلس في موضع جعفر بن محمد (عليهما السلام) فوراً من دون مراجعته، فأخفى الإمام الصادق (عليه السلام) اسم الإمام الذي يليه بين خمسة أسماء ليموه على الطواغيت، فعاش الإمام الكاظم (عليه السلام) فترة تكتم شديدة ورواية هشام بن سالم شاهدة على ذلك([30])، حتى هلك المنصور بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بعشر سنوات أي سنة 158 هـ، فصحبة مؤمن الطاق للإمام الكاظم (عليه السلام) تحققت بعد هذه المدة؛ لأنه كان يسكن الكوفة ومن الصعب لقاؤه بالإمام (عليه السلام) في مثل تلك الظروف، وهذا يفسّر عدم روايته عن الإمام الكاظم (عليه السلام).
- إن ابن محبوب ثقة بل وصف بأنه من الأربعة أركان المذهب في عصره، وقد عدّه الكشي من الفقهاء الذين أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) وروى بسنده عن ابن أبي نصر قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا برسالة؟ قال: صدق، لا تقل الزرّاد بل قل السرّاد، إن الله تعالى يقول: [وَقَدّرْ في السَرْد])، فإذا أخبر أنه روى عن مؤمن الطاق صدقنا قوله كما في المقام، ولا مسوِّغ لاحتمال الإرسال، نعم قد يسقط ذكر الواسطة من قبل الرواة غفلةً كالمورد المتقدم في غفلة التهذيب عن أبي ولاد بقرينة ما ورد في الكافي والفقيه.
- إن ابن محبوب وقع في طريق الشيخ الصدوق إلى مؤمن الطاق في مشيخة الفقيه قال (قدس سره): ((وما كان فيه عن محمد بن النعمان فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب جميعاً عن محمد بن النعمان)) ولم يُنكر أحد ذلك، بل عن العلامة في الخلاصة([31]) أن طريق الصدوق إليه صحيح، وإنما ضعّفه البعض كالسيد الخوئي لسبب آخر كوجود محمد بن علي بن ماجيلويه الذي لم تثبت وثاقته([32]) عنده وليس من هذه الناحية.
- إن الحسن روى عن أبي حمزة الثمالي كثيراً([33]) وأبو حمزة توفي سنة 150([34]) هـ وأدرك إمامة الكاظم (عليه السلام)، وروى الكَشي عن الفضل بن شاذان قال: (سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي، وذلك أنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر موسى بن جعفر (عليهم السلام) )([35])، وأورد الشيخ الصدوق (قدس سره) هذا المعنى عند ذكر طريقه إلى أبي حمزة في المشيخة.
وعلى هذا فرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق –الذي بقي بعد الإمام الصادق (عليه السلام) المستشهد سنة 148 هـ- طبيعية جداً.
إن قلتَ: كيف يتم رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي ومقتضى نقل الكشي أن ابن محبوب ولد سنة 149 هـ؟.
قلتُ:-
أ- إن هذه المعلومة غير موثوقة كما تقدم.
ب- إن قبول قول الكشي في تأريخ ولادة ابن محبوب ليس أولى من قبول روايته الكثيرة عن أبي حمزة.
ومما تقدم يُعلم النظر في قول السيد الخوئي (قدس سره): ((مقتضى ما ذكره الكشي: أن الحسن بن محبوب تولّد بعد وفاة الصادق (عليه السلام) وهذا ينافي روايته كثيراً عن أبي حمزة المتوفى في زمان الصادق (عليه السلام) ))([36]) فإن أبا حمزة توفي في زمان الإمام الكاظم (عليه السلام)، كما تقدم آنفاً عن النجاشي وورد اسمه في بعض الروايات([37]) عن قيام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالأمر بعد استشهاد أبيه (عليه السلام).
نعم قال الشيخ في رجاله: ((اختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى عليه السلام))([38]).
ويرد على الوجه الثالث:-
1- إن احتمال الإرسال المذكور مبني على التاريخ الذي أورده الكشي عن ولادة ابن محبوب وقد علمت المناقشة فيه.
2- إن نصر بن الصباح ناقل هذه الكلمة مجهول الحال وهو غالٍ في مذهبه فلا يوثق بقوله إلا مع القرينة.
3- إن هذه العبارة التي ورد فيها الاتهام لابن محبوب في الرواية عن الثمالي وردت بألسنة مختلفة فما أوردناه كان من رجال النجاشي عن الكشي، ولكن الذي أورده الكشي نفسه في الرجال هو ((عن أبي حمزة))([39]) من دون الثمالي وفي نسخة أخرى (ابن أبي حمزة) وقال في موضع آخر عند ترجمة الحسن بن محبوب عن نصر بن الصباح قال: ((وأصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة))([40]).
أقول: إذن لم يثبت أن التهمة هي بإرساله عن أبي حمزة لعدم الاطمئنان بكون المقصود الثمالي بسبب تعدد العبارات واختلافها، لذا تعدد فهم الأصحاب لهذه التهمة فقد احتمل البعض أن المراد ابن أبي حمزة البطائني، قال القهبائي: ((والمراد منه علي بن أبي حمزة البطائني، فإن ابن محبوب روى عنه كما سيأتي في ترجمة ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي، ووجه التهمة حينئذٍ أن ابن محبوب أمتن وأجلّ من أن يروي عن علي بن أبي حمزة البطائني فإنه واقفي خبيث رديء معاند للرضا عليه السلام))([41]).
4- إن طريق الشيخ الصدوق إلى أبي حمزة المذكور في المشيخة وإن لم يرد فيه اسم ابن محبوب إلا أنه (قدس سره) قال: ((وطرقي إليه كثيرة ولكني اقتصرت على طريق واحد منها)). لكن الشيخ الطوسي ذكر لنا أحدها وهو ينتهي إلى الحسن بن محبوب عنه، قال في الفهرست (138): ((له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة.
5- ولو سلّمنا بصحة الإشكال ووجود إرسال فإنه لا يضرّ، قال الوحيد البهبهاني في ترجمة الحسن بن محبوب: ((وعلى تقدير صحة التواريخ –التي بني عليها الإشكال- فالظاهر أن روايته –أي ابن محبوب- عن كتابه –أي الثمالي- وغير خفي أن هذا ليس بفسق ولا منشأ للتهمة، بل لا يجوز الاتهام بأمثال ذلك، سيما مثل الحسن الثقة الجليل، الذي قد أكثر الأعاظم والأجلّة من الثقات والفحول من الرواية عنه عموماً، وروايته عن أبي حمزة خصوصاً، وكذا الكلام في الأخذ حال صغر السن ولذلك ندم أحمد وتاب))([42]).
وقال تلميذه أبو علي الحائري: ((وأما –أي الإشكال- في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة فالأصل فيه نصر بن الصباح، وأما محمد بن أحمد بن عيسى فإنه كان قد سبقه في ذلك إلا أنه تاب ورجع عنه، وكيف كان فالظاهر أن منشأ التوقف عدم درك الحسن علياً كما يظهر من تأريخ ولادة الأول ووفاة الثاني، لكن بعد الإقرار بوثاقة الرجل وعدّه من الأركان الأربعة في زمانه، لا ينبغي الإسراع إلى اتهامه، بل يجب أن نحمل ذلك على أحسن محمل، وهو أخذ الحسن الرواية من كتاب علي([43])، ومثله غير عزيز، بل هو أكثر كثير، ولا ينبغي الحمل على الإرسال، إذ لا يخلو من نوع تدليس وتغرير، وقد حقق الأستاذ العلامة دام علاه في غير موضع))([44]).
أقول: ومال إلى هذا الرأي المامقاني في تنقيحه (1/90) في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى.
ولعل وصف صاحب البلغة([45]) الرواية بالمصححة يشير إلى قبول هذا الوجه ونحوه في دفع الإشكال.
([1]) وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح16.
([2]) رياض المسائل: 14/384، مستند الشيعة: 19/368، جواهر الكلام: 39/214.
([3]) منهاج الصالحين للسيد الحكيم بتعليق السيد الشهيد الصدر: 2/488، مسألة (6)، وللسيد الخوئي: 2/372، مسألة (1788)، تحرير الوسيلة للسيد الخميني: 2/360، مسألة (5).
([4]) خاتمة المستدرك، الفائدة الخامسة: شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه، رقم (82).
([5]) نقد الرجال للتفريشي: 4/333، جامع الرواة للأردبيلي: 2/212، منتهى المقال للحائري: 6/212، تعليقة الوحيد البهبهاني: 327، هداية المحدثين: 256.
([6]) معجم رجال الحديث: 18/299.
([7]) حكى هذا الاحتمال المحدث النوري في خاتمة المستدرك، قال (قدس سره): ((واحتمل –ضعيفاً- أن يكون –أي الأحول- أحد المجهولين المذكورين في أصحاب الصادق (عليه السلام) الأزدي الكوفي أو الحضرمي الكوفي)) (خاتمة مستدرك الوسائل: 5/206: الفائدة الخامسة في شرح مشيخة الفقيه، رقم (300) وقال في الهامش: ((إن صاحب الاحتمال هو المجلسي كما في روضة المتقين: 14/257)).
([10]) وهي إحدى رسائل ثلاث طبعت بعنوان (تقريرات ثلاثة) من أبحاث السيد البروجردي (قدس سره) بقلم الشيخ علي بناه الاشتهاردي حررها سنة 1367 هـ أي في ذروة مرجعيته المباركة، الرسالة الثانية في ميراث الأزواج من ص 99 حتى ص 126.
([15]) ((قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: يا أبا جعفر إن إمامك –يعني الصادق (عليه السلام) – قد مات، فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)) (رجال الكشي، رقم 77) ونقلها في (معجم رجال الحديث: 18/38).
([18]) الكنى والألقاب: 2/428 تحت عنوان (الطاقي).
([19]) رجال النجاشي: 325، رقم (886).
([20]) رجال الكشي، رقم 479، معجم رجال الحديث: 6/97.
([21]) معجم رجال الحديث: 6/98.
([22]) رجال النجاشي: 82، رقم الترجمة (198).
([23]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 17/44.
([24]) تهذيب التهذيب لابن حجر: 3/333.
([25]) وسائل الشيعة: 26/210، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح13.
([27]) الكنى والألقاب: 2/428 تحت عنوان (الطاقي).
([28]) وجدت لاحقاً في مصادر العامة ما يوافق هذا الحدس ففي كتاب (الأعلام للزركلي: 7/154) أنه توفي حدود سنة 160 للهجرة وذكر في الهامش أن من مصادره (لسان الميزان: 5/300، خطط المقريزي: 2/348، 353، فرق الشيعة للنوبختي: 78)، وحُكي عن كتاب (الوافي بالوفيات: ج4) أنه توفي في حدود الثمانين ومائة، وكذلك قال صاحب توضيح المقاصد والبغدادي.
([29]) رجال الشيخ: 343، باب الميم من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (18).
([30]) روى الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن هشام بن سالم قال: (كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مائة؟ فقال: درهمان ونصف فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا، قال: فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد؟ ونقول: إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومي إليّ بيده فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى مَن اتفقت شيعة جعفر عليه السلام عليه؛ فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنحَّ فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني لا يريدك، فتنحّ عني لا تهلَك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن عليه السلام ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه السلام فقال لي ابتداءً منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليّ إليّ، فقلت: جعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت: مضى موتاً؟ قال: نعم، قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جُعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال:== ==قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا، فداخلني شيء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاماً له وهيبة أكثر مما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك؟ وقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منه رشداً فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح – وأشار بيده إلى حلقه – قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى، فحدّثته بالقصة، قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعاً عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجاً فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه، وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلما رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأخبر أن هشاماً صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني) (أصول الكافي: ج1، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح7).
([31]) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي: 439، الفائدة الثامنة.
([32]) معجم رجال الحديث: 18/43.
([33]) معجم رجال الحديث: 6/98.
([34]) رجال النجاشي: 115، رقم (296).
([35]) رجال الكشي: 485، رقم (919) وراجع الكنى والألقاب: 21/130، رقم (150).
([36]) معجم رجال الحديث: 6/98.
([37]) في (إثبات الهداة للحر العاملي: 3/166، الباب 22: النصوص على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ح47) (أن إعرابياً جاء من المدينة إلى الكوفة فأخبر أن الصادق قد مات فشهق أبو حمزة الثمالي وضرب بيديه الأرض) إلى آخر الحديث.
([38]) رجال الشيخ، باب الثاء من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (1).
([41]) مجمع رجال القهبائي: 1/161 في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى وكذا في ترجمة الحسن بن محبوب: 2/144.
([42]) تعليقة الوحيد البهبهاني: 108.
([43]) هذا من سهو القلم أو من ذهاب الذهن إلى الاحتمال الآخر –أعني علي بن أبي حمزة-، وإلا فإن المقصود الثمالي.