حوار خاص مع سماحة آية الله الشيخ حسن الجواهري
حوار خاص مع سماحة آية الله الشيخ حسن الجواهري
الجواهري: حوزة النجف ليست غير سياسية. تفهم السياسة ولكنليست حزبية، وليست تريد السيطرة على الحكم وإنما تفهم السياسةوتتدخّل في الأمور السياسة ولها رأي سياسي، المرجع يمنع الطلبة منالتحزب، الذي الحزب بمعني أن جماعة تتبع قيادة غير معروفة، هذهالقيادة عادلة مجتهدة غير معروفة.
خاص الاجتهاد: يفهم من رأيكم أن البعض يقول أنّ حوزة النجفتمتاز أو تختلف من حوزة قم بأنها غير سياسية وأنها لاتتدخل فيالشؤون السياسية. ما تفضلتم و أشرتم إليها سابقاً هم بذلوا في هذاالسبيل شهدا كرام. يعني سماحة الوالد “رضوان الله تعالى عليه” وسماحة الشهيد الصدر كلاهما ومن أمثالهما عظماء حوزة النجف لوسكتوا عن السياسة ولو سكتوا عن حزب البعث لكانوا يبقون فيالحوزة كمدرس وكذلك الآن سماحة السيد السيستاني “حفظه الله”.
الشيخ الجواهري: حوزة النجف ليست غير سياسية. تفهم السياسه ولكن ليست حزبية، و ليست تريد السيطرة على الحكم وإنما تفهمالسياسة و تتدخّل في الأمور السياسة و لها رأي سياسي، المرجعيمنع الطلبة من التحزب، الذي الحزب بمعني أن جماعة تتبع قيادة غيرمعروفة، هذه القيادة عادلة مجتهدة غير معروفة.
فالعلماء النجف يمنعون من التحزّب، و لكن لايقولون لطالب العلم لايكن لك رأي السياسي و لا ينبغي لك أن تفهم السياسي. إفهمالسياسة وإقرأ السياسة فليكن لك موقف سياسي، تتخذوا في الوقتالمناسب، ولكن لا تكن حزبياً تابعاً لأحزاب لاتعرف قيادتها ولا يعرفعدالتهم ولا يعرف إجتهادهم فإن هؤلاء ينزلقون بك إلى مزالق غيرحميدة.
فالعلماء في النجف يفهمون السياسة ويعملون بها ويتخذون المواقفالدينية. كالسيد الخميني إنه سياسي، و لكن لم يكن له حزب ولم يأمربحزب، لأن الحزب مشكلته هذه. أنه قيادة له مخفية غير معروفة. إذاكانت القيادة معروفة كما قال السيد الحكيم حينما سئل عن التحزب والدخول في الحزب قال لايجوز لأن الحزب إذا كانت قيادته معروفةيخاف عليها وإن كان قيادته مخفية يخاف منها، فمنع علماء النجفمن التحزّب والضيق، لأنهم هم آباء الحوزة وأب لهذه الأمة العراقية،المراجع آباء للعراقيين بأجمعهم، فلا يتحزب ولا يكون حزب في مقابلحزب آخر هذا من الضيق و هذا من الأمور الباطلة.
المرجع يرى نفسه أب لجميع العراقيين، فيمنع الطلبة من دخولهم فيحزب لأن الدخول في حزب معنى أنه وقعوا في مكان ضيّق ولم يكونوامشرفين على هذه الأمة لحفظها ولهدايتها وإنما يكون حزباً في مقابلحزب آخر وهذا من الشيء الذي لا ترتقي الحوزة العلمية النجفية.
فلما نقول الحوزة لا تفهم السياسة، هذا خطأ، بل تفهم السياسةوتعمل بها ولكن لا تكون متحزبة في مقابل أحزاب أخرى، لأنها تفقدأبوّتها وتفقد قيمومتها على المجتمع و تفقد هدايتها هذه المجتمع إذاحوزة العلمية في النجف تعرف السياسة و تفهم السياسة و تعملبالسياسة و لكن لا تكون حزبياً، من الأحزاب الضيقة النظرة لأنها هيراعية لهذه الأمة هادية لهذه الأمة.
ففرق بين أن تكون الحوزة حزب من الأحزاب ومعنى ذلك أنها سقطتعن مهمتها التي خلقها الله لها وهي هداية البشر والقيمومة على الأمةوالقيمومة على الناس، وبين أن تكون الحوزة تفهم الموقف السياسيةوتعطى الموقف السياسية وتعطى الرأي السياسي. وحوزة النجفتعطى الرأي السياسي وتفهم السياسة و لكن لاتنزلق في التحزبالتي يجعلها ضيقت ويجعلها في مقابل الأحزاب. هذا خطأ فضيع.
الاجتهاد: خروج السيد الشهيد الصدر من حزب الدعوة بعد أن كانمن مؤسسي حزب الدعوة، كان من نفس المعنى؟
الشيخ الجواهري: نعم السيد الشهيد رحمة الله عليه حينما أوجد هذاالحزب، كان يريد للشباب أن يتجمهروا في جانب يكون رئيسهم فقيهاً،يتبعون الرئيس الفقيه العادل. ولكن مع هذه النظرة رأى من المصلحةأن لا يدخل الطلبة في هذا الحزب، و أن لا يدخل العلماء في هذاالحزب وأن يخرج هو عن هذا الحزب. وإنما يكون أباً لهذه الأمةالعراقية والأمة الإسلامية و هاديا لها.
فكان في بداية أمره ليس مرجعاً فدخل في هذا الحزب وأسس هذاالحزب ولكن لما اصبح على مشارف المرجعية رأى أن وظيفته تختلفعن المرتبطة السابقة. حينما صار مرجعاً أمر طلاب العلم أن يخرجوامن الحزب ورأى أنه هو ايضاً يخرج من الحزب لأنه أصبح في مقامالمرجعية التي أبوّة للمجتمع العراقي.
فأصبح ذو رأي سياسي و ذو مدرسة سياسية و لكن ليس له حزب،لأنه يرعى الجميع و أبنى الجميع و يهدي الجميع و لا يريد أن يكونصاحب حزب في مقابل حزب آخر فإنه إذا أصبح صاحب حزب فيمقابل حزب آخر نزلت من مرتبته العلياء التي هي المرتبة القيمومة علىالمجتمع إلى مرحلة شخص عادي في مقابل شخص عادي.
الاجتهاد: يعني إذا كان العمل السياسي لايخالف الأبوّة الإجتماعيةللمرجعية حوزة النجف تؤيد هذا العمل السياسي؟
الشيخ الجواهري: العمل السياسي موقف يتخذه المرجع سياسياً. لاأنه سياسي بحيث يحسب كسياسيين الآخرين، لا، هو أب للسياسيينوهو مرجع له يرجعون إليه في الأزمات يحل مشاكله بإعتباره أنه مطلععلى التشريع الإسلامي الذي هو القرآن والسنة النبوية وعنده ذوقسياسي و فهم سياسي، والسياسة بالمعنى الذي نرتضيها وهيسياسة الأئمة وسياسة النبي، لا السياسة التي مبتني على الخداعوعلى الكذب وعلى التضليل وعلى التسقيط وعلى التشهير. فهذهالسياسة مفروضة في الحوزة العلمية.
هناك سياسة مبتنية على العدالة وعلى النصح وعلى الإرشاد وعلىالهداية و على أن يكون المسلم كفو للمسلم، يتعاملون و يتعاونونيتكافلون يتحابون يتوادّون يقفون الموقف الواحد الذي ينفع الإسلامضد الإستعمار و ضد من يريد أن يطيح بالإسلام والمسلمين. هذهالسياسة التي عليها الأئمة ينهجها علماء النجف.السياسة التي عليهاالأئمة و عليها الشرع الحنيف و أوجدها النبي صلى الله عليه و آلهوسلم.
النبي كان سياسياً حينما دخل المدينة أوجد دولة لها موادّها. أوجدوثيقة المدينة التي عبارة عن ثلاثة وسبعين بند. هذه الدولة تقول: اليهودعلى دينهم المسيح على دينهم، المشركون على طريقتهم والمسلمون علىدينهم كلهم يعملون على وفق ما يرتؤونه، و لكن إذا حدث حدث علىالمدينة وخطر على المدينة يجب على الجميع أن يحافظ على هذهالمدينة، و إن كان هناك خلاف بين هذه الشرائع الموجودة في المدينةفالمرجع إليّ وأنا الذي أحل النزاع فنصب نفسه رئيسا لهذه المدينةولهذه الدولة و جعلهم أحرار في تصرفاتهم و دينهم و لم يجبر أحداعلى دخول الإسلام بالعنف و السيف والدم، و إنما جعلهم علىطريقتهم.
فمن اتبع هذه الوثيقة أصبح من أعضاء هذه الدولة ومن خالف و خانخرج عن هذه المعاهدة. فجُوبِه بالقتال وجوبه بالجزاء الذي يستحقهعندما خرج على وثيقة المدينة.
فالسياسة التي نقولها أن علماء النجف يفهمون السياسة ويعملون بهاويسبّقونها عند الحاجة، هي سياسة الأئمة، وهي الطريقة الشرعيةالصحيحة التي جاء بها الأئمة عن النبي “صلى الله عليه و آله وسلم”،و ليست السياسة المارقة المبتنية على الخداع والزور والكذب والبهتانوالإعتداء والسيف والعنف والنفاق. ليست هذه السياسة بل الرذائليتّبعها السياسيون. نحن حينما نقول علماء الدين يفهمون السياسةيعني يفهمون الفضائل ويكونون قيّمين على هؤلاء الناس، ويرتفعونبهم من مرحلة إلى مرحلة يأمرونهم بترك الرذائل والتّحلّي بالفضائل.
هذه السياسة التي يقولة علماء النجف عليها سائرون و بها متمسّكون. يريدون من المجتمع أن يكون مجتمعاً الهياً لا مجتمعاً شيطانيّاً ولامجتمعاً فاسداً لا مجتمعاً يتّبع الهوى بل مجتمع يتّبع الدين ويتّبعالرسالة ويتّبع الشريعة. هذا الذي يسعى إليه علماء النجف و هذهالسياسة التي نقول أنهم متمسكون بها.
فلا يرتئون التّحزّب الذي يرى المصالح الشخصية ومصلحة أفرادهومصلحة قيادته ويترك مصلحة الآخرين. هذا من الباطل الذي تحاربهمدرسة النجف. لاتحزّب، لأننا لانريد أن ننفع حزباً واحداً نريد أن ننفعالأمة نريد أن ننفع هذا الكيان المسلم نرتقي به من الظلمات إلى النوركما فعل النبي و كما فعل الأئمة.
الاجتهاد: إذاً برأيكم، ما هو الفرق بين الإمام الخميني “ره” والآخرين؟ هل هناك أصلاً فارق أو لا، يعني في المبادئ أو في الآلياتأو في الظروف ما هذا الفارق؟
الشيخ الجواهري: لا یوجد فارق عندنا في علماء المسلمين لأنهم كلهمقيّمون علی هذه الأمة يريدون نفعها. و لكن السيد الخميني (ره) تهيّأت له الظروف وتهيّأت له الشروط لأن ينهض بالأمر، فنهض وتمكنأن يصل. والبقية لم تتوفر لهم الشروط التي توفرت للسيد الخميني(ره)، و لو توفّرت الشروط لهم، لقاموا بالأمر، لنفع الإنسان و إرتقاءهمن الأمور الرّذيلة إلى الأمور الفاضلة.
الميرزا جواد التبريزي يكتب في كتابه بأنه: لو تمكن الفقيه من إقامةالدولة يجب عليه إقامة الدولة، لكن مع إحراز التّمكن وإحراز القدرةالتي يتمكن بها أن يقيم دولة إسلامية. فمع التمكن يجب، ولكن إذا لايتمكن يبقى هادياً ومشرفاً و ناصحاً ومعيناً ويبقى مراقباً.
فإذا لم يتمكن المرجع كما تمكن السيد الخميني بوجود عوامل ساعدتهعلى القيام بالأمر إذا لم يتمكن يبقى محافظاً، ناصحاً، مرشداً، منبهاًللآخرين، لأجل أن لايقع في فخّ الدول الكبرى وفي فخّ الإستعمار وفيفخّ الّلادينيين الذين يعتقدون بأن الإسلام غير الصالح لإقامة الدولةالإسلامية. مع أن الإسلام هو النظام الصالح لإقامة الدولة الصالحةالعادلة إذا تمسّك به الناس.
أما أن العِلمانيّين الذين يرون أن الدين غير صالح لإقامة الدولة فهومن الخطأ الواضح، لأنهم لا يعرفون التشريع و لايعرفون الدين و لايعرفون أحكام القرآن و السّنة و لم يتمرّنوا عليها و هم جهّال من هذهالناحية، يذهبون إلى النُظُم الأخرى التي تخالف الإسلام .
فالفقيه والمرجع إذا رآى أن الظروف غير ممهّدة له لإقامة شرع الله، لاينسحب من السّاحة، بل يبقى مراقباً، يبقى منبهاً، يبقى واعظاً، يبقىهادياً، يبقى ولياً لهم. و في الظروف المناسبة يقول كلمة الله، ويقولكلمة الشريعة ويقول كلمة الإسلام لهم ينبهم. فهذه هي وظيفة الأئمةفي زمان الدول الغير إسلامية التي كانت تُسمى دول إسلامية. ماذاكان يعمل الأئمة في تلك المراحل؟ كانوا مراقبين للوضع، يحذّرون،ينبّهون، يعظون، يُرشدون ويقولون تمسكوا بها الدين الحنيف ولاتنخرطوا في مطبّات تخرجكم عن هذا الدين. هذا كله في صورة عدمالقدرة.