مراحل الدراسة في حوزة النجف الأشرف

15٬213

مراحل الدراسة في حوزة النجف الأشرف

   اصطُلح في حوزة النجف الأشرف على تقسيم الدراسات إلى ثلاث مراحل:

1ـ مرحلة المقدِّمات:

ويريدون بها دراسة الفقه رسالة عملية مبسطة, وعقائد الامامية للشيخ المظفر, والنحو والصرف، وعلوم البلاغة والمنطق، وكأنهم أرادوا أن دراسة هذه العلوم، هي مقدِّمة للدخول فيما يقصدون إليه من التخصص في الفقه وأصوله.  

     ولا يزال يُتَّبع في تدريس هذه العلوم الكتب القديمة المعروفة، مثل: شرح قَطر الندى لابن هشام، وشرح ألفيّة ابن مالك، ومُغني اللبيب في النحو، والشمسية وغيرها في المنطق.  

والعلوم التي عددناها آنفاً هي إلزاميّة في هذه المرحلة، والمُلزِم هو التلميذ نفسه، وقد يضاف إليها علوم أخرى كالعلوم الرياضية، والعَروض والبديع، والنصوص الأدبية، وهذا يقرّره الطالب نفسه.  

2-مرحلة السطوح:

 ويراد بها دراسة مُتون الكتب في الفقه الاستدلالي، وأصول الفقه. والكتب التي تُدَرّس في هذه المرحلة كتب خاصة بها، وأهمها:

أصول الفقه للشيخ المظفر، ودروس في علم الاصول للسيد الشهيد محمدباقر الصدر، ورسائل الشيخ الأنصاري، وكفاية الأصول، هذا في أصول الفقه.  

أما في الفقه الاستدلالي شرح اللُّمعة، والمكاسب, ودروس في الفقه الاستدلالي للشيخ محمدباقر الايرواني.  

ودراسة الفقه الاستدلالي، وأصول الفقه إلزامية في هذه المرحلة، ولكن يرى بعض الطلاب، دراسة علم الكلام، والحديث، والرجال, والفلسفة، والتفسير ذلك أيضاً.

على أنّه إذا لم تكن دراسة التفسير إلزامية ، فلأنّ معظم الآيات ستمر خلال الدراسة، ولابد في هذه الحالة من تفسيرها وشرحها.  

وكذلك القول في الحديث والرجال، فهو والتفسير يرافقان الطالب في مراحل دراسته كلها، فيدرك أنواع الحديث وأقسامه، واصطلاحاته، والجرح والتعديل، وما إلى ذلك.  

وهاتان المرحلتان هما اللتان تُكوِّنان الطالب وتُعِدّانه ليكون: (مجتهداً).   

    وقد يستغرق اجتياز الطالب لهما ثمان او عشر سنين، أو أكثر من ذلك، وهما أشقّ مراحل دراسته.  

3- مرحلة البحث الخارج:

    وقد امتازت جامعة النجف العلمية بمنح هذه الدرجة العالية التي يعترف بها في كثير من الأقطار الإسلامية ويعمل بفتاوى مجتهديها في تلك الأقطار. وتجري الدراسة في مرحلة “بحث الخارج” هذه على طريقة المناقشة والمحاورة إذ تكون عادة من دورات (أشبه ما تكون بالدورات التي تعقد في الجامعات الحديثة في موضوع معين يتولاها كبار العلماء المجتهدين في الفقه والأصول بإلقاء محاضرات يومية يشرح فيها الأستاذ مسألة من المسائل المطروحة للبحث شرحا وافيا يتطرق فيه إلى آراء المذاهب الإسلامية المختلفة,ويستعرض أدلتها حول قضية من القضايا الفقهية أو الأصولية أو غيرها,ثم يبدي رأيه الخاص مع الدليل,ولكل أستاذ طريقته وأسلوبه في البحث ووضع منهج الدرس والأسس العلمية التي يقررها.

وتعقد هذه الدورات عادة بحضور عدد كبير من الطلاب,ويعتمد ذلك على شهرة الأستاذ ومنزلته العلمية ودقة منهجه وأسلوبه في إلقاء الدرس.

ويتمتع الطلاب في أثناء المحاضرات بالحرية التامة في المناقشة وإبداء الرأي, ولذا لا يتردد الطالب عن مناقشة أستاذة في أي قضية تتصل بموضوع الدرس والأستاذ يوجهه ويشجعه على المتابعة والتعمق في البحث وقوة الملاحظة، مما يدفع الكثير من الطلاب إلى التصدي لبلوغ درجة الاجتهاد.

ويمتاز أسلوب الدراسة في هذه الدورات بإتاحة الفرصة للطالب لتقوية ثقته بنفسه وتشجيعه على إبداء  آرائه في تقارير مكتوبة يقدمها إلى أستاذه فإنّ حازت رضاه منحه شهادة مكتوبة تسمى(إجازة الاجتهاد) وعندما يحصل الطالب على هذه الإجازة يصبح مجازا وهذا يعني أنه بلغ درجة الاجتهاد وأصبح مجتهدا.يتضح مما تقدم أن طريقة التدريس هذه التي قد لا تبعد عن طريقة التدريس في المدرسة النظامية أو المدرسة المستنصرية أيام بني العباس،وهي طريقة ذات نظام تعليمي وأسلوب يستند على أسس علمية واعتبارات تربوية ونفسية،أثبت علم النفس الحديث فائدتها في ترغيب الطالب في الدرس إذ تتاح له حرية اختيار موضوع وكتاب الدرس المعتمد،كما أنّ مكانة الأستاذ ومنزلته العلمية تحتل دورا مهما وحيويا في اجتذاب الطلاب إلى حلقات الدرس، واستمرارهم على مواصلته حتى بلوغ درجة الاجتهاد وهي أعلى المراحل.

    هذه المرحلة بعكس المرحلتين السابقتين، لا تكون إلاّ جماعية، وذلك أن عدداً كبيراً من الطلاب الذين أنهَوا دراسة المرحلتين السابقتين، يلتقون حول واحد من كبار المجتهدين، فيحاضِرهم ارتجالاً في الأصول أو في الفقه، فيعرض عليهم المسألة، شارحاً لها شرحاً مستفيضاً ، يُبرز فيه جميع الآراء الإسلاميّة ومذاهبها ، ثمّ يناقش تلك الآراء مناقشة دقيقة ، كما يناقش أدلتها ، ثمّ يُدلي هو برأيه في المسألة ، عارضاً دليله على ما ارتآه.  

    وإذا كنّا قد قلنا: إن طلاب هذه الدروس، هم ممن أنهَوا المرحلتين الأوليتين، أي ممن أصبحوا على أبواب الاجتهاد، فربما كان طلابها أيضاً من المجتهدين أنفسهم، إذا كان الأستاذ من الأعلام المتفوقين ، الذين يستفيد من دروسهم حتّى المجتهدون، كما حدث في دروس الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني(صاحب الكفاية), الذي كان يلتقي في حلقة تدريسه فريق من المجتهدين، يستمعون إليه ويأخذون عنه.  

وإذا كنا قد عَدَدنا الكتب المقرّرة في المرحلتين السابقتين فإننا لا نعدد هنا كتباً، إذ أن التدريس هنا، لا يعتمد على كتاب خاص ، ما عدا ما يمكن أن يُعين الطلاب على المراجعة.  

    ومما تمتاز به هذه المرحلة، هو إطلاق حرية المناقشة للطلاب على أوسع الأبواب، فترى الطلاب يناقشون الآراء والنظريات مع الأستاذ، مناقشة النِد للنّد، فيتعودون الثقة بأنفسهم، والاعتماد على آرائهم، لأنهم سيكونون في المستقبل مرجعاً للناس.

     والذي يُصغي للمناقشات في تلك الدروس، يعلم أنّها فريدة في أسلوب التدريس العلمي، بما فيها من حرية وعمق ودقة، وبما تنطوي عليه من توجيه رائع، وسعة آفاق وتشجيع، مما لا نحسب أن له نظيراً في أي تدريس جامعي آخر.

ولابد أن تكون كذلك، لأنّها تعد الرجال لينالوا أضخم إجازة علمية، هي إجازة: (الاجتهاد),فليس يسيراً أن يصبح العالم مجتهداً.  

    أين تُعقد الدروس؟ ربما تبادر للذهن، أن هناك قاعات للدرس، وكليات للمحاضرات، مع أنه لا شيء من ذلك في حوزة النجف؛ فمكان الدرس غير محدّد، فربما كان في بيت الأستاذ نفسه، على أنّه كثيراً ما يكون في المساجد الرحبة البعيدة عن الضجيج، فيجلس الطلاب على الأرض، متحلقين حول الأستاذ، فإذا كثر عددهم اتسعت صفوفهم غير نظيمة، واضطر الأستاذ لأن يجلس على المنبر، ليُسمِع صوتَه إلى أقصى الحضور.  

    ولعل التجديد الوحيد الذي دخل على هذا التدريس، هو أن الأساتذة صاروا يستعملون مكبرات الصوت، ليوصلوا أصواتهم إلى أبعد طالب بلا جهد ولا عناء.

     وكما سبقت الإشارة، فليس هناك كتاب مقرر بعينه يدرس في مرحلة(بحث الخارج) ولكن هناك مراجع عديدة معتمدة تواكب تفكير الطالب ومستواه العلمي. واليك قائمة بأسماء أشهر الكتب المعتمدة المتداولة في جامعة النجف.

 

أولاً: في النحو:

1.   “قطر الندى وبل الصدى” لمؤلفه:عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام.

2.   “ألفية ابن مالك” (أرجوزة في ألف بيت) من نظم محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي المتوفى سنة 672هـ.

3.   “مغني اللبيب” لمؤلفه ابن هشام صاحب قطر الندى وبل الصدى.

4.   “أوضح المسالك” لابن هشام.

 

ثانيا في البلاغة:

1.   “المختصر” المسعود بن عمرو بن عبد الله التفتازاني المتوفى سنة 791هـ وهو مختصر كتاب “تلخيص المفتاح”.

2.   “جواهر البلاغة” للسيد أحمد بن إبراهيم الهاشمي من رجال القرن الرابع عشر الهجري,وفي الكتاب بحث في البلاغة والمعاني والبيان والبديع.

 

ثالثا في المنطق:

1.   كتاب “الحاشية في المنطق” لمؤلفها الملا عبد الله بن شهاب الدين حسين اليزدي المتوفى سنة 988 هـ.

2.   كتاب “المنطق” للشيخ محمد رضا المظفر.

رابعا في الفقه:

1.   “مختصر النافع” لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي المعروف (بالمحقق الحلي) المتوفى سنة 676هـ. وقد لخص فيه كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام).

2.   “شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام” لمحقق الحلي نفسه,الذي يعتبر من المتون المهمة المتداولة والحية في الوقت الحاضر.

3.   كتاب “الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية” لمؤلفه زين الدين بن نور المتوفى سنة 965هـ, يقع في مجلدين شرح المؤلف فيها “اللمعة الدمشقية” للشهيد الأول,محمد بن الشيخ جمال الدين بن مكي النبطي العاملي الجزيني المقتول سنة 786هـ. والكتاب من المصادر الفقهية الرائعة.

4.   كتاب “المكاسب” للشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري المتوفى سنة 1281هـ. وهو كتاب استدلالي في المعاملات.

وتترتب هذه الكتب عند الدراسة حسب التسلسل المذكور آنفا فالطالب يبدأ في “المختصر” وعند إتمامه ينتقل إلى الشرائع,ثم إلى “اللمعة” ثم إلى “المكاسب” وبذلك يكون قد أكمل دورة فقهية كاملة