الكلام حول الإمام أو الخليفة بعد رسول الله (ص)
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
أما بعد:
باختصار شديد نستطيع الكلام حول الإمام أو الخليفة بعد رسول الله (ص) في عدة محاور منها:
المحور الأول: إن النبي بعد هجرته للمدينة ودفاع أهل المدينة المستميت عنه وعن المسلمين الذين هاجروا من مكة- والذين سموا بـ(المهاجرين) بينما سمي أهل المدينة بـ(الأنصار) وضع دعائم وأسس المجتمع الديني وقام بإدارته، وكان مسجد النبي ملجأ للمهاجرين والمحرومين، ومعالجه قضاياهم ومشاكلهم الاقتصادية والمعيشية، إضافة إلى كونه موضعاً للعبادة، ومنطلقاً لنشر الرسالة الإلهية وتعليم الناس وتربيتهم، ومعالجة الخصومات والمسائل القضائية، ومركزاً لإصدار القرارات العسكرية وتزويد جبهات الحرب بالعدة، وإسناد الجبهات، ومعالجة سائر القضايا الحكومية. وباختصار كانت إدارة شؤون الناس وقضاياهم الدينية والدنيوية تتم على يد النبي وكان المسلمون يرون أنفسهم مكلفين بإطاعة تعاليم النبي وأوامره لان الله تعالى-إضافة لفرضه إطاعة الرسول المطلقة عليهم- كان إصدار أوامر مؤكدة على ولاية الرسول وقيادته للأمة في خصوص المسائل والمجالات السياسية والقضائية والعسكرية.
وبعبارة أخرى :إن النبي إضافة لمنصب النبوة والرسالة، ومنصب تعليم الأحكام وتبينها كان يملك منصباً إلهياً آخر،هو قيادة الأمة الإسلامية والولاية عليها، وتتفرع منها مناصب أخرى كالقضاء والقيادة العسكرية وغيرهما. وكما إن الدين الإسلامي اشتمل على الإحكام السياسية والاقتصادية والحقوقية وغيرها. وكما كان نبي الإسلام مكلفاً بوظائف التبليغ ومهام التعليم والتربية وكذلك كان مكلفاً- من قبل الله- بمهمة تنفيذ الإحكام والتشريعات الإلهية وتطبيقها بيده وإمام كل المهام والمناصب الحكومية.
ومن البديهي إن الدين الذي ،يدعي قيادة البشرية كلها حتى نهاية العالم لا يمكنه عدم الاهتمام بهذه المسائل والقضايا، ولا يمكن للمجتمع القائم على أساس هذا الدين إن يتفقد مثل هذه المهام والمناصب السياسية والحكومية، وهذه المناصب والمسؤوليات التي يشملها جميعاً عنوان (الإمامة).ولكن الحديث هو عمن يقوم بهذه المهمة وبعد وفاة الرسول؟ ومن الذي يعين مثل هذا الشخص في هذا المنصب؟ وهل إن الله تعالى- وكما انه نصب النبي في هذا المنصب- نصب
هو أيضاً غيره للإمامة وهل تتوقف مشروعية تولي هذا النصب على إحراز التعيين الإلهي؟ أم أن هذا التعيين من قبل الله مختص بالنبي وإما بعده، فعلى الناس انتخاب الإمام وتعيينه والياً وقائداً عليهم؟ ثم هل يملك الناس- حقاً- مثل هذا الحق في انتخاب الإمام أم لا؟
وهذه هي النقطة الرئيسية في الخلاف بين الشيعة والسنة.
فالشيعة يعتقدون بأن الإمامة منصب الهي، لابد وان يُنصب فيه الإفراد الصالحون لذلك من قبيل الله تعالى، وقد قام الله تعالى بهذا التعيين بواسطة نبيه حيث عين أمير المؤمنين علياً خليفة له من بعده مباشرة، وعين من بعده أحد عشر إماماً من أولاده خلفاء من بعده.
ولكن أهل السنة يعتقدون بأن الإمامة الإلهية- كالنبوة والرسالة- قد انتهت بوفاة النبي وقد أوكل للناس مهمة تعيين الإمام من بعده، بل صرح بعض كبار علماء أهل السنة أمثال أبو يعلي في كتاب الإحكام السلطانية وأبي قاسم السمرقندي في ترجمة السواد الأعظم أنة لو سيطر أحد بقوة السلاح على الناس وأمسك بزمام أمور الأمة فتجب على الآخرين طاعته. ومن الواضح إن مثل هذه الآراء تفتح الأبواب أمام الجبابرة والطواغيت والمحتالين للتوصل إلى مطامعهم ومآربهم، وتوفر عوامل التمزق والانحطاط والتخلف بين المسلمين. وفي الواقع إن أهل السنة باعتقادهم بشرعية الإمامة بدون التعيين الإلهي وضعوا الحجر الأساس لفكر عزل الدين عن السياسية. وباعتقاد الشيعة أن هذا الأمر هو المنعطف الخطير للانحراف عن المسير الإسلامي الأصيل والصحيح، وعبادة الله في جميع الجوانب والإبعاد الحياتية، وكذلك كان منطلقاً لآلاف من الانحرافات الأخرى التي ظهرت من حين وفاة الرسول بين المسلمين .
المحور الثاني: مفهوم الإمامة
الإمامة في اللغة الرئاسة وكل من يتصدى لرئاسة جماعة يسمى (الإمام)، سواء كان في طريق الحق أو كان الباطل، وقد أُطلق مصطلح (أئمة الكفر)في القران الكريم {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ }القصص41 {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }التوبة12 وكان الكلام موجه إلى روساء الكفر وأطلق على من يقتدي به المصلون (إمام الجماعة).
والإمامة في مصطلح علم الكلام عبارة عن: الرئاسة العامة الشاملة على الأمة الإسلامية وقيادتها في جميع الأبعاد والمجالات الدينية والدنيوية.
وإنما ورد ذكر كلمة (الدنيوية) لأجل التأكيد على سعة ميدان الإمامة ومجالها، وإلا فإن تدبير القضايا الدنيوية للأمة الإسلامية وإدارتها جزء من الدين الإسلامي وهذه الرئاسة والقيادة أنما تكون شرعية فيما لو كانت من فبل الله تعالى، ولا يكتسب أي شخص مثل هذا المقام أصالة ولا نيابة ً إلا إذا كان معصوماً عن الخطأ في بيان الأحكام والمعارف الإسلامية، ومنزهاً عن الذنوب والمعاصي. وفي الواقع إن الإمام المعصوم يمتلك كل مناصب النبي عدى النبوة والرسالة، وكما إن أحاديثه حجة في بيان الحقائق والتشريعات والإحكام والمعارف الإسلامية،فكذلك تجب إطاعة أوامره وإحكامه في مختلف القضايا الحكومية.
ومن هنا يتبين إن اختلاف الشيعة وأهل السنة في موضوع الإمامة يدور حول ثلاث مسائل:
الأولى:لابد من تنصيب الإمام وتعيينه من قبل الله تعالى.
الثاني:لابد وان يمتلك الإمام العلم الموهوب له من الله، وان يكون مصاناً عن الخطأ.
الثالثة: لابد وان يكون معصوماً من المعصية.
ومن الواضح أن العصمة لا تختص بالإمامة، وذلك لأن فاطمة الزهراء- باعتقادنا- كانت معصومة، ولكنها لا تمتلك مقام الإمامة كما أن مريم كانت تمتلك مقام العصمة، ويمكن إن يكون هناك من بين أولياء الله من بلغ مثل هذا المقام، وان لم نطلع عليهم، والإنسان المعصوم لا يتيسر التعرف عليه إلا من طريق التعريف الإلهي.
المحور الثالث: الحاجة لوجود الإمام
يتوهم الكثير من لم يدرس المسائل العقائدية بعمق ودقة إن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة فيما يخص الإمامة وتركز حول هذه النقطة:
إن الشيعة يعتقون إن النبي نصب علي بن أبي طالب خليفة له في إدارة الأمة.
بينما أهل السنة يعتقون بأنه لم يصدر مثل هذا التعيين ، وإنما الناس قد اختاروا الحاكم بإرادتهم واختيارهم، وأن الخليفة الأول عين بنفسه خليفة من بعده، وفي المرحلة الثالثة، وُضعت مهمة اختيار الخليفة على عاتق جماعة مؤلفة من ستة أفراد، والخليفة الرابع انتخبه الناس ايضاً انتخاباً عاما. ولذلك لا توجد طريقة معينة لتعيين الخليفة بين المسلمين، ومن هنا تصدى لهذا المنصب بعد الخليفة الرابع كل من كان أقوى من غيره عسكرياً، كما هو الأسلوب المتبع في غير البلدان الإسلامية أيضا
وبعبارة أخرى: قد يتصور البعض أن الشيعة يعتقدون في مجال تعيين الإمام الأول بما يعتقد أهل السنة في تعيين الخليفة الثاني من قبيل الخليفة الأول مع هذا الاختلاف بأن رأي النبي وتعيينه قد تقبله الناس! ولكن مع غض النظر عن هذا التساؤل: كيف امتلك الخليفة الأول مثل هذا الحق في تعيين الخليفة من بعده؟ ولماذا لم يكن رسول الله- باعتقاد أهل السنة- أكثر شعورا ً واهتماما ً بالإسلام منه؟ وكيف أهمل الأمة الإسلامية الوليدة دون قائد مع أنه كلما خرج من المدينة للجهاد، كان يعين خليفة له فيها إضافة إلى انه أخبر بنفسه عن وقوع الخلافات والفتن في أمته؟
مع غض النظر عن كل هذه التساؤلات- وتساؤلات أخرى- لابد وان نعرف أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة يدور قبل كل شي حول هذه الفكرة؛ هل إن الإمامة مقام ديني خاضع للتشريع الإلهي؟ أم أنها سلطة دنيوية خاضعة للعوامل الاجتماعية؟ نعتقد نحن الشيعة بأنه حتى النبي نفسه لم يكن له أي دور مستقل في تعيين خليفته، بل قام بهذا التعيين بأمر الهي وفي الواقع إن الحكمة في ختم النبوة مرتبطة تماماً بتعيين الإمام المعصوم ومع وجود مثل هذا الإمام فانه سيكفل توفير المصالح الضرورية في الأمة الإسلامية بعد النبي ومن هنا يتبين انه لماذا طًرحت الإمامة في الفكر الشيعي كأصل عقائدي،لا كحكم فقهي فرعي ولماذا اعتُبرت الشروط الثلاثة في الإمام (العلم الموهوب من الله،العصمة،والتعيين الإلهي) ولماذا امتزجت هذه المفاهيم في عرف الكلام الشيعي مع مفهوم المرجعية في معرفة الإحكام الإلهية والحكومة والولاية على الأمة الإسلامية وكأنما لفظة الإمامة تدل على جميع هذه المفاهيم ومن هنا وبعد إن تعرفنا على مفهوم الإمامة وموقعها بين معتقدات الشيعة نبحث ألان حول مدى صحة هذا المعتقد.
المحور الرابع: ضرورة وجود الإمام
إن تحقق الهدف من خلف الإنسان مرتبط بهدايته بواسطة الوحي، وقد اقتضت الحكمة الإلهية بعثة أنبياء يعلمون البشر طريق السعادة في الدنيا والآخرة والاستجابة لهذه الحاجة فيه، كذلك تربية الأفراد المؤهلين وإيصالهم لآخر مرحلة الكمال الذي يمكنهم الوصل إليها فيما لو توفرت الظروف الاجتماعية لذلك.
وواضحٌ إن الدين الإسلامي دين عالمي وخالد لا ينسخ ولا يأتي بعد نبي الإسلام نبي آخر، وإنما يتوافق ختم النبوة مع الحكمة من بعثة الأنبياء فيما لو كانت الشريعة السماوية الأخيرة مستجيبة لجميع الاحتياجات البشرية، وقد ضُمن بقاؤها حتى نهاية العالم. وقد توفر القرآن الكريم على هذا التكفل والضمان، فقد تعهد الله تعالى بحفظ هذا الكتاب العزيز عن كل تغيير وتحريف ولكن لا تُستفاد جميع الإحكام والتعاليم الإسلامية من ظواهر الآيات الكريمة فمثلاً، لا يمكن التعرف من القران الكريم على عدد ركعات الصلاة ،طريقة أدائها،ومئات الآراء من الإحكام الوجبة والمستحبة. وليس القرآن الكريم في مقام بيان تفاصيل الأحكام والتشريعات، بل وضع مهمة بيانها على عاتق النبي ليبنها النبي من خلال العلم الذي وهبه الله تعالى له (غير الوحي)ومن هنا تثبت حجية سنة النبي واعتبارها كمصدر من المصادر الأصيلة لمعرفة الإسلام.
ولكن السنوات الصعبة التي عاشها النبي كسنوات الحصار في شعب أبي طالب،وعشر سنين من القتال مع أعداء الإسلام، لم تسمح له ببيان جميع الإحكام والتشريعات الإسلامية للناس كافة وحتى ما تعلمه الأصحاب لم يضمن الحفاظ عليه فقد اختلف في طريقة وضوئه بالرغم من أنها كانت بمرأى من الجميع سنوات طويلة،إذن فإذا كانت أحكام هذا العمل معرضة للاختلافات والخلاف وهو عمل يحتاجه جميع المسلمين ويمارسونه يومياُ وليست هناك دوافع على حدوث التحريف التغيير ألعمدي فيه، فإن خطر الأخطار والاشتباه في النقل والتحريفات المتعمدة اشد وأكثر في مجال الإحكام الدقيقة وخاصة تلك الإحكام والتشريعات التي تصطدم وأهواء بعض الإفراد وإطماع بعض الجماعات ومصالحهم ولقد ذكر العلامة الاميني في كتابه الغدير أسما سبعمائة من الوضاعين للأحاديث ونسب لبعضهم انه وضع ما يناهز مئة ألف حديث/الغديرج5.
ومن خلال هذه الملاحظات يتضح إن الدين الإسلامي إنما يمكن طرحه كدين كامل وشامل يستجيب لكل الاحتياجات ولجميع البشر، حتى نهاية العالم فيما لو أفترض وجود طريق لتوفير المصالح الضرورية للأمة في داخل الدين نفسه، تلك المصالح التي يمكن إن تتعرض للتهديد والتدمير مع وفاة الرسول ولا يتمثل هذا الطريق إلا في تعيين الخليفة الصالح للرسول هذا الخليفة الذي يملك العلم الموهوب من الله ليمكنه من بيان الحقائق الدينية بكل أبعادها وخصوصياتها ويتمتع بتملكه العصمة حتى لا يخضع لتأثير الدوافع النفسانية والشيطانية وحتى لا يرتكب التحريف ألعمدي في الدين وكذلك يمكنه القيام بالدور التربوي الذي كان يملكه النبي والأخذ بأيدي الإفراد المؤهلين وإيصالهم إلى أسمى درجات الكمال وكذلك حين تتوفر الظروف الاجتماعية الملائمة يتصدى للحكومة وتدبير الأمور في الأمة الإسلامية وتنفيذ التشريعات الاجتماعية الإسلامية وتطبيقها ونشر الحق والعدالة في العالم.والحاصل إن ختم النبوة إنما يكون موافقاً للحكمة الإلهية فيما لو اقترن بتعيين الإمام المعصوم:ألان الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام كلها عدا النبوة والرسالة وبذلك تثبت ضرورة وجود الإمام، وكذلك ضرورة توفره على العلم الموهوب من الله، ومقام العصمة، وكذلك لزوم تعيينه ونصبه من قبل الله تعالى لأنه عز وجل وحده الذي يعرف الشخص الذي أعطاه هذا العلم والعصمة، وهو الذي يملك حق الولاية على عباده ويمكنه منح مثل هذا الحق في درجة أدنى للإفراد يتمتعون بشروط معينة. ومما يلي يلزم التأكيد عليه إن أهل السنة لا يقولون بمثل هذه الخصائص لأي خليفة من الخلفاء فلا يدعون نصبه وتعيينه من الله تعالى والنبي ولا توفر لدى الخلفاء العلم الموهوب من الله وملكة العصمة.بل أنهم نقلوا في كتبهم المعتبرة عثراتهم واشتباها تهم وعجزهم عن الإجابة على أسئلة الناس الدينية، ومنها ما نقلوه عن الخليفة الثاني أنه فال (إن لي شيطاناً يعتريني)وانه كان يكرر هذا القول كثيراً(لولا علي لهلك عمر) وإما عثرات الخليفة الثالث وخلفاء بني أمية وبني العباس فهي أوضح من إن تذكر ويعرفها كل من له اطلاع على تاريخ المسلمين.والشيعة وحدهم الذين يعتقدون بوجود الشروط الثلاثة في الأئمة ألاثني عشر، ويثبت مما ذكرنا صحة اعتقادنا في مسائلة الإمامة، ولا يحتاج ذلك للأدلة الموسعة والمفصلة، وسنشير في الكلام القادم إلى بعض الأدلة المقتبسة من الكتاب والسنة.
المحور الخامس:البحث في الآيات القرآنية والسنة الشريفة
الكلام في مدلول الآيات والروايات على الخليفة من بعد الرسول (ص) فقد جاء في تفسير قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)المائدة أية3
بإجماع المفسرين على أنها نزلت في حجة الوداع وقبل وفاة النبي (ص) بشهور وبعد إن تشير الآية ليأس الكفار من إلحاق الضرر بالإسلام قال تعالى(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ) المائدة3
تؤكد إكمال الدين في ذلك اليوم وإتمام النعمة ومع ملاحظة الكثير من الروايات الواردة في شأن نزول هذه الآية يتضح جلياً إن (الإكمال والإتمام) الذي اقترن بيأس الكفار من إلحاق الضرر بالإسلام، إنما تحقق بنصب خليفة للنبي(ص) من قبل الله تعالى، وذلك لأن أعداء الإسلام كانوا يتوقعون بقاء الإسلام بدون قائد بعد وفاة رسول الله(ص) وخاصة مع عدم وجود الأولاد الذكور للرسول(ص) وبذلك يكون معرضاً للضعف والزوال بيد إن الإسلام قد بلغ كماله بتعيين خليفة للنبي(ص) تمت النعمة الإلهية وانهارت أطماع الكافرين وآمالهم(وللمزيد راجع تفسير الميزان ج5ص170)، وقد تم هذا التعيين حين رجوع النبي(ص)من حجة الوداع فقد جمع الحجاج كلهم في موضع يقال له (غدير خُم)،وخلال إلقائه خطبة الطويلة عليهم سألهم (الستُ أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى) ثم أخذ يكشف علي (ع) ورفعه أمام الناس وقال: (من كنتُ مولاه فعلي مولاه)وبهذا أُثبت الولاية الإلهية للإمام علي(ع) فبايعه جميع الحاضرين،ومنهم الخليفة الثاني الذي هنأ بقوله: (بخ بخ لك يا عليُ أصبتَ مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة).(للتأكد من قطعية الحديث ودلالته راجع كتاب عبقات الأنوار وكتاب الغدير للشيخ الاميني)
وفي هذا اليوم نزلت هذه الآية المباركة:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) فكبر رسول الله(ص) وقال (تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي)، وورد في رواية نقلها احد علماء أهل السنة الكبار وهو الحمويني قال:( فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هذه الآيات خاصة في علي فقال(ص) بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة، قالا: يا رسول الله بينهم لنا، فقال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي، ثم أبني الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد أبني الحسين واحدا ً بعد واحد، القران معهم وهم مع القران، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض) (غاية المرام/الباب18/حديث4،نقلاً عن الفرائد للحمويني)
ويستفاد من روايات عديدة إن النبي(ص) كان مأمور قبل ذلك بالإعلان الرسمي عن إمامة أمير المؤمنين(ع) على الرأي العام، لكنه كان يخشى حمل الناس مثل هذا العمل منه على رأيه الشخصي، وان يعرضوا عن تقبله، ولذلك كان يبحث عن فرصة مناسبة، تتوفر فيها ظروف الإعلان عن مثل هذا التعيين، حتى نزلت الآية المباركة:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67 فمن خلال التأكيد على ضرورة إبلاغ هذا النداء الإلهي الذي هو بمستوى كل النداءات الإلهية الأخرى، وعدم إبلاغه يعني عدم إبلاغ الرسالة الإلهية كلها، قد بشره الله بأنه سيعصمه ويحفظه من جميع الآثار والمضاعفات المتوقعة من هذا العمل وقد أدرك النبي(ص) مع نزول هذه الآية حصول الزمان المناسب للقيام بهذه المهمة وليس من الصالح تأخيرها ومن هنا بادر في غدير خم للقيام بها، وقد روى علماء أهل السنة هذه الواقعة عن سبعة من أصحاب رسول الله(ص) وهم كل من زيد بن أرقم وأبو سعيد ألخدري وابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري والبراء بن عازف وأبو هريرة وأبن مسعود(راجع الغديرج1)
والملاحظة إن ما يختص بهذا اليوم هو الإعلان الرسمي عن هذا التعيين أمام الناس وأخذ البيعة منهم وإلا فان رسول الله (ص) كان يشير مراراً خلال فترة رسالته لخلافة أمير المؤمنين(ع) وبأساليب وتعابير مختلفة. فحين نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }الشعراء214 في بدايات البعثة،قال صلى الله عليه واله لعشيرته (فأيكم يؤازرني على أمري هذا،على أن يكون هو أخي ووصيي وخليفتي فيكم)واتفق الفريقان على إحجام القوم جميعاً إلا علي بن أبي طالب وانه أول من استجاب.وللمزيد راجع كتاب عبقات الأنوار/الغدير/المراجعات
وكذلك حين نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}النساء59 حيث فرض فيها إطاعة أولي الأمر بصورة مطلقة واعتبر إطاعتهم بمستوى إطاعة النبي(ص) سأله جابر بن عبد الله الأنصاري من هم الذين وجبت طاعتهم؟ أجاب صلى الله عليه واله(هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر- ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام – ثم الصادق جعفر أبن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سمي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده أبن الحسن بن علي(للمزيد راجع غاية المرام ص265/ج10/واثبات الهداة ج3 123/وينابيع المؤدة/ص494.) وكما أخبر النبي(ص) فقد بقي جابر حياً حتى إمامة الباقر(ع) وأبلغه سلام رسول الله(ص)
وللعجالة نشير إلى الآيات فقط التي أشارة إلى علي بن أبي طالب بدون شرح
- {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33
- {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }الرعد43
- {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}هود17
- {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ }المائدة55
- {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67
- {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3
- {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ }البقرة207
- {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }الشعراء214
وأما الأحاديث فقد جاء في صحصح البخاري إن النبي (ص) قال لعلي(ع)(أنت مني وانأ منك) {وقال عمر توفي رسول الله وهو عنه راض}وجا عن سهل بن سعد إن رسول الله قال (لا عطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه.قال فبات الناس يدو كون ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجوان يعطاها، فقال:أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا يشتكي عينيه يارسول الله قال:فأرسلوا إليه فأتوني به فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرا حتى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي: يارسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام واخبرهم بما يجب علهم من حق الله فيه فوا لله لان يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم)البخاري3701 وعن سعد قال سمعتُ إبراهيم بن سعد عن أبيه قال (قال النبي(ص) لعلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)البخاري الحديث 3706
وقال المسعودي وهو من علما السنة (لم يلبس علي عليه السلام في أيامه ثوبا جديداً ولا اقتنى ضيعة ولا ربعاً. ويعتذر المسعودي في وصف أمير المؤمنين فيقول إن فضائل علي ومقاماته ومناقبه ووصف زهده ونسكه أكثر من أن يأتي عليه كتابنا هذا أو غيرة من الكتب أو يبلغه إسهاب مسهب أو أطناب مطنب) مروج الذهب ج2ص419
وجاء في كتاب الإمامة والسياسية لابن قتيبة الدينوري وهو من كبار علما أهل السنة إن النبي (ص)قال لعلي(أتدري من أشقى الأولين والآخرين؟قال الله ورسوله أعلم. قال:أشقى الأولين:عاقر الناقة وأشقى الآخرين:الذي يطعنك. وأشار إلى حيث طعن) رواه أيضاً ابن كثير في البداية والنهايةج7ص358 وذكر أيضاً إن أبا هريرة وأبا الدر داء قدما على معاوية من حمص وهو بصفين،فوعظاه وقالا له:يا معاوية علام تقاتل علياً وهو أحق بهذا الأمر (الخلافة) منك في الفضل والسباقة ؟ لأنه رجل من المهاجرين الأولين،السابقين بإحسان ،وآنت طليق وأبوك من الأحزاب. إما والله ما نقول لك إن العراق أحب ألينا من الشام ولكن البقاء أحب ألينا من إلفنا والصلاح أحب ألينا من الفساد .فقال معاوية لست أزعم إني أولى بهذا الأمر من علي ولكني أقاتله حتى يدفع إلي قتلة عثمان….)الإمامة والسياسية ج1ص128
وقد جاء عن النبي (ص) انه قال يا علي لولا إني أخشى إن تقول فيك فئة من الناس ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة لا تمر على احد من الناس إلا واخذوا التراب من تحت قدميك .وفي هذا الكلام أشارة واضحة إلى مكانة علي عليه السلام في الإسلام وهنا يرد سؤال مهم وهو مالذي جعل مجموعة من الناس يطلق عليهم (العلا اللاهية) إن تتخذ من علي بن أبي طالب اله لهم والجواب هو أنهم رأوا من علي ما لا يروه من الصحابة الآخرين فهو علية السلام ومنذ ولادته وهو حافل بالإسرار ففي ولادة يشق جدار الكعبة إليه وترد الشمس إليه لكي يؤدي يصلي ويتميز علية السلام في علمه وشجاعته وفصاحته وكثير من هذه الأمور جعلت هولا الناس يقولون في علي هذا الكلام. وحتى الخوارج الذين سبوه وكفروه كما سبه الأمويون لم يستطيعوا إن ينسبوا إليه سوى الخطأ في التحكيم (وحاشاه عن ذلك) عندما رفع أعداؤه المصاحف على رؤوس الرماح طالبين وقف القتال والرجوع إلى حكم القرآن ليستروا بذلك ضلالهم وجحودهم للقرآن وأصول الاسلام .وسلام الله على رسوله الأمين الذي أخبر بأكثر مما جرى عليه من محبيه وشانئيه حيث قال يا علي هلك فيك اثنان (محب غال ومبغض قال)وقد أشار عليه السلام يحبني أقوام حتى يدخلوا النار بحبي ويبغضني آخرون فيدخلوا النار في بغضي
واختتم الكلام في هذا الحديث جاء عن عبد الله بن مسعود،قال :سمعت رسول الله (ص) يقول ((من زعم انه آمن بي وما جئت به وهو يبغض علياً فهو كاذب،ليس بمؤمن)) وللمزيد راجع الكتب المطولة
سيد علي الموزاني
20رمضان1428
أهم مراجع البحث
1- القرآن الكريم
2- تفسير الميزان
3- صحيح البخاري
4- مروج الذهب
5- سيرة الأئمة ألاثني عشر
6- الإمامة والسياسية
7- فضائل أمير المؤمنين
8- بداية المعرفة
9- دروس في العقيدة الإسلامية