العلم اساس السعادة العملية
بسمه تعالى
إن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي أول سورة العلق: {اقرأ بسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق}، فهذه الآيات فيها دروس بليغة في كيفية التعلم، وماذا نتعلم، وكيف نتعلم.. فرغم أنها آيات قصيرة، إلا أنه في كل آية إشارة لطيفة.
أولاً: القراءة الهادفة: {اقرأ بسم ربك} إن القراءة ليست هدفاً في حد نفسها، فالقراءة ينبغي أن تكون بمباركة من الله عز وجل، والإنسان عندما يريد أن يقرأ متبركاً بسم الله عز وجل، فإنه من الطبيعي أن لا يقرأ علماً باطلاً، أو لا ينظر إلى صورة محرّمة، أو لا يقرأ كتاباً قد يوجب له انحرافاً في العقيدة.. فإذن، عندما يريد الإنسان أن يقرأ عليه أن يقل {بسم الله الرحمن الرحيم}، والباطل لا يُبدأ بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} أبداً، فإن هنالك تنافراً بين الحق والباطل، وماذا بعد الحق إلا الضلال!.. فالشيطان في جانب والرحمن في جانب.
ثانيا: القراءة النافعة: إن هنالك علوما كثيرة، فمن أي علم يبدأ الإنسان وماذا يقرأ؟!.. لأن العمر لا يفي بكل علوم هذا الوجود، فلابد أن يقرأ ذلك العلم الذي يكون في مسيرة حركته إلى الله عز وجل، فينفعه تارة في دنياه وتارة في آخرته.. {اقرأ بسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق} فالإنسان خُلق من نقطة بداية لينتهي إلى نهاية.. فبين البداية والنهاية عليه أن يقرأ ما يعنيه في هذا الطريق.. وإلا فإن العلم الذي لا يفيده دنيا ولا آخرة: كالخبر أو الفيلم أو البرنامج الذي لا يفيده دنيا ولا آخرة، فإنه لا يصب في هذه الحركة.. ومعنى ذلك أن هذه الحركة اللاهادفة هي من مصاديق {والعصر إن الإنسان لفي خسر}.
ثالثا: الاستعانة بالقلم والكتاب: {اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم}.. هو علّم ولكن بوسيلة، فهذه الباء هي (باء الوسيلة – وباء السببية)، ولا بد من القلم، لينتقل هذا العلم إلى العبد.. فمن يريد أن يصل إلى العلوم الربانية، لابد وأن يستعين بالقلم إرشادا تارة، وبالكتاب استرشاداً تارة أخرى.. فإذن، إن الذي يطلب العلم الرباني والعلم الإلهي، وهو يريد أن يقطع صلته بالقلم وبالكتاب، ويكتفي بالتأملات والتخيلات، وطلب المكاشفات، ونزول الفيوضات، وهبوب الواردات؛ كل ذلك خلاف المنطق في هذه الآية.
كيف نحفظ هذا العلم؟!.. إن البعض يشتكي من نسيان الكثير مما قرأه، ويقول: قرأنا الكثير والكثير، وما بقى إلا اليسير، إن لم نقل ما بقي منه شيء.. فما هي الفائدة في القراءة؟..
الجواب هو:
أولاً: بالنسبة إلى القراءة كالدعاء والصلاة، فإن الإنسان عندما يصلي لا يحصل على شيء نقدي، ولكنه مأمور بالصلاة الواجبة والمستحبة.. فيستيقظ في جوف الليل، ويتهجد لمدة ساعة، وفي النهار هو كباقي أفراد البشر، ليس هنالك جائزة معجلة.. فإذن، إن على الإنسان أن يقرأ بداعي التقرب إلى المولى، عبادة بين يديه.
ثانياً: إن هذا العلم مخزون في اللاشعور، فمثلا: إذا قرأ الإنسان مسألة شرعية من الرسالة العملية في أحكام الحج فينساها، وبعد سنوات يذهب إلى الحج، وإذا بهذه المسألة المدفونة في الباطن، تطفو على السطح، فيتذكر المسألة التي قد نسيها، فهذه هي طبيعة العلم.. فإذن، إن على الإنسان أن لا يعيش حالة اليأس، لمجرد أنه ينسى ما يقرأ.
ثالثا: من المعروف في هذا المجال، أن ترك المعاصي أيضاً من موجبات انفتاح الأبواب الباطنية، وتقوية الذاكرة.. لأن تشتت الفكر من تشتت الصور الواردة، فإذا قلّت هذه الصور، تحقق التركيز الذي يتمناه كل مؤمن في عبادته أو في تأملاته.