الفرق بين الاقتداء ودعوى الاتباع

437

بسمه تعالى 

إن الاتباع والولاية على قسمين: هنالك اتباع ادعائي وعاطفي، وهنالك ادعاء واقعي حقيقي.
الاتباع الظاهري الادعائي: هو أن يتولى الإنسان محبوبا في حياته.. والاتباع الحقيقي: هو عبارة عن الاقتفاء بآثار المحبوب: بقوله وفعله، ولهذا إبراهيم الخليل (ع) يقول في كلمة معبرة: (فمن اتبعني فإنه مني).. فالمنّية والاتباع والالتحاق بالطرف الآخر، إنه متوقف على ما تقدم.
وكتطبيق عملي على ذلك فلننتقل إلى عينة من حياة مولاتنا فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.. من منا لا يحب أن ينادى يوم القيامة بالفاطمي؟!.. فتأتي في عرصات القيامة، ليُظهر الله عز وجل جلالها وكرمتها لدى الخلائق، بعد أن كانت مجهولة القدر، ومخفية القبر في هذه الحياة الدنيا.. ولو أراد الإنسان أن ينظر إلى تاريخ البشرية، ويحاول أن يستخلص أسعد عائلة على لوحة الوجود، لما تجاوز حياة علي وفاطمة.. ولا شك أن النبي خير من علي، ولكن لا تُقاس أم فاطمة بها هي، وكما هو معلوم أنه لم يكن في عائلة النبي ذرية الحسن والحسين.. فإذن، إن العائلة النموذجية طوال التأريخ من لدن خلق آدم إلى قيام الساعة، هي هذه العائلة المباركة، المتمثلة بأربعة أخماس أهل البيت، الذين شملهم حديث الكساء.. وهم الحسن والحسين وأبواهما، وهم يشكلون أربعة أركان من أركان هذا الوجود.
إن من نقاط التأسي في حياة فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، البساطة في المعيشة.. فمع الأسف نحن نخلط بين البساطة في المعيشة، وبين الإكثار من الملهيات في الحياة الزوجية.. إن الزوجين يظنان أنهما عندما يكثران من أثاث المنزل وزخرفة المنزل، أن هنالك علاقة طردية بين زينة المنزل وبين الألفة فيما بينهما.. ونحن نقول في أفضل التقادير: أن الألفة تتحقق بينهما وبين الزينة، لا بينهما.. فعندما يوضع تمثال جميل أو مزهرية جميلة في المنزل، فإنه سيكون هنالك في أفضل الحالات انشداد منهما إلى ذلك المتاع.. فأين الأثر النفسي؟.. وهل تتحقق بذلك الألفة؟.. لا أبداً، بل قد يتحقق شيء من التباعد.. فإذن، إن الحديث المروي عن النبي (ص) ما مضمونه: (خير نساء أمتي: أصبحهن وجهاً، وأقلهن مهراً).. لو حكم في حياتنا، لقضينا على ظاهرة تأخر الزواج والعنوسة وما شابه ذلك.
إن من نقاط السعادة في حياة هذه العائلة كذلك، أن علياً عليه السلام رغم أن فاطمة معصومة، إلا أنه هيأ لها الأجواء التي تغنيها عن تخطي رقاب الرجال، كما قالت فاطمة سلام الله عليها.. وهنا قضية مهمة وحساسة، فطبيعة الإنسان طبيعة تغلب عليها المقارنة، فالإنسان عندما يسافر إلى بلد جميل، ثم إلى بلد جميل آخر، فإنه -شاء أم أبى- سيقارن بين البلدين، ثم يحكم أن هذه البلاد أجمل من هذه البلاد، فطبيعة الإنسان قائمة على أساس التفاضل والموازنة والحكم.. والرجل عندما يرى في حياته صوراً جميلة من النساء -الأمر يمكن أن يكون تلقائي، وغير اختياري- فإنه سيحكم على أن هذه أجمل من زوجته.. فإذا كانت جامعة لبعض صفات الكمال أيضاً -أي جمال وكمال- فمن الطبيعي أن المرأة ستبدو باهتة في نظر زوجها.. وهكذا العكس، فإن المرأة أيضاً عندما ترى من الرجال من هو أكثر وسامة وأناقة وعلماً ولباقة، وخاصة أن الإنسان في العلاقات الاجتماعية، يتكلف أفضل الصور في التعامل، فمن الطبيعي أن المرأة عندما ترى الصور المختلفة، فإنها ستقارن.. وبالتالي، عندما تعود إلى عشها الزوجي، فإنها ستنظر إلى الزوج -شاءت أم أبت- بنظرة أخرى، فيها شيء من التصغير.. ولهذا السياسة الشرعية قائمة، على أن يجعل الإنسان نظرته محصورة على المحارم، وهذا معنى غض البصر.. والإسلام لم يدعُ إلى غمض البصر، ليكون الأمر مستحيلاً أو صعباً، وإنما دعا إلى غض البصر، لتقل هذه الصور المثيرة في الأذهان.. والدعوة للطرفين: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} … {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} .
هب أنّ أحدنا لم يحسن الاختيار في الزوجة الموافقة من جميع الجهات، فقد تكون الزوجة مؤمنة ومصلية وعابدة، ولكن طباعها متنافرة مع طباع الرجل، وهذه ليست بمنقصة.. ففي مثل هذه الحالات، ومع وجود بعض العناصر المرجّحة للإدامة، فإن العاقل ينظر إلى خواتيم الأمور: أليست من ثمرات الحياة الزوجية الذرية الصالحة؟!.. فعليه أن يتحمل شيئا من الأذى -سواء الرجل أو المرأة- في سبيل هذه الثمرة السعيدة، وهي ثمرة باقية.. فجمال الوجه وأيام شهر العسل تفنى، والذي يبقى بعد ذلك هذه السمعة الطيبة والذرية الصالحة.. وكما هو معروف بأن الذرية الصالحة امتداد أبدي للإنسان، لا في الدنيا فناءً عند القوم، ولا في البرزخ استغفاراً له، بل حتى في الجنة تلحق ذريته الصالحة به.. وشتان بين هذه الثمار العاجلة، وبين هذه الثمرة الباقية!.. ورب العالمين كم كافأ علي وفاطمة، على ما تحملت فاطمة في حياتها مع رسول الله، وبعد رسول الله؟.. وكم تحمل علي؟.. ولكن ما هي النتيجة؟.. إن النتيجة هي التحقيق العملي لسورة الكوثر من خلال علي وفاطمة، فرب العالمين يقول: {إنا أعطيناك الكوثر} يخاطب النبي، والحال بأن تحقيق أو تحقق هذه السورة من خلال علي وفاطمة.