المجال التداولي كطريق للحصر المنهجي في حدود اللغة والعقيدة والمعرفة

384

المجال التداولي كطريق للحصر المنهجي في حدود اللغة والعقيدة والمعرفة

الشيخ غالب الناصر

 ان مشروع المفكر والمنطقي الدكتور والاستاذ اللغوي طه عبد الرحمن، والذي يطالعنا فيه بشكل آخر من أشكال الحصر والاستئصال المنهجي والفكري والثقافي، وبالتالي تحقيق مزيداً من الارباك والتشتت في الجهود النهضوية، ومزيداً من الصراع الايديولوجي والحضاري، كما سنرى بأذن الله سبحانه وتعالى في هذا الأنموذج الكانتوني.

جاء الأنموذج الفكري والثقافي لطه عبد الرحمن على نسج ثلاثي الأبعاد، مكون من: رؤية كونية، وكيان اللغة، وأخيراً: فضاء المعارف، فأساس اللغة الأفصح، والعقيدة الأسلم والمعرفة الأفضل، وبموجب هذا الأنموذج يكون العربي هو الأفضل وذلك لأنه حصل على اللغة الأفصح، وحصل على العقيدة الأسلم، يقول طه:

(ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من صحة العقيدة وبلاغة اللسان وسلامة العقل مثلما أوتيت أمة العرب، تفضيلاً من الله)([1]).

وهو لا يختلف كثيراً عن سابقيه من مفكري النهضة، فنسج على نفس منوال ثلاثية: محمد عابد الجابري، البيان والعرفان والبرهان، أو ثلاثية العروي الحصرية من: الشيخ والسياسي والتقني، أو خماسية ابي يعرب المرزوقي في الأنموذج الثقافي القيمي: الشهودية، والمعرفية، والجمالية، والخلقية، والجهوية، وكان قبلهم الأنموذج الثقافي لمالك بن نبي، في العلل الاربعة: المادية الصناعية، والصورية الجمالية، والغائية الأخلاقية، والفاعلية العملية، وكان أخر هذه النماذج هو الأنموذج الثقافي للراحل اركون الذي أختزل جميع ابعاد المجال العربي والإسلامي وعلى امتداد التاريخ: بالثورة والنهضة، وطالب من أجل النهضة بنقد النص الديني وبيان تاريخيته حصراً له في الاطار الزماني والمكاني. 

من هنا فأن الأنموذج الذي يقدمه طه عبد الرحمن ليس هو الوحيد في الساحة الفكرية والثقافية هذا اولاً، إذ الفت هذه الساحة، المنكوبة، بالكثير من هذه النماذج الحصرية، التي استلهم منها طه عبد الرحمن هذا الأنموذج (هو في واقع الأمر مشروع ابتلاع لكل ما هو موجود، مع حسن الهضم طبعاً، ومن ثم إعادة تقيؤه ممنطقاً، هي لعبة منطقية تتقن المناورة وإعادة انتشار الأفكار، مع سبق الإصرار على اتلاف اصول مناشئها، لكن متى كانت إعادة الأجرأة  المنطقية للأفكار في حكم ابداعها )([2]).

 

[1])) د ، طه عبد الرحمن ، تجديد المنهج في تقويم التراث ، المركز الثقافي العربي ، ط2،  ص 254.

 

[2])) الاسلام والحداثة ، ص 149.