اختلاف مباني الفقهاء في مسالة رؤية الهلال
اختلاف مباني الفقهاء في مسالة رؤية الهلال
بقلم: الشيخ قيس الطائي
تعودنا في كل عام على اسئلة فقهية تدور حول رؤية هلال شهر رمضان وكذلك ثبوت الرؤية لهلال شهر شوال والسؤال وان كان مشروعا ومستساغا في نفسه الا انه يمكن ان يتخذه _البعض_ ذريعة لإشاعة الفوضى والكلام غير اللائق بالمؤمنين عن علمائهم وهم ورثة الانبياء وحصون الاسلام. فلابد اذا والحال هذه ان نبين للإخوة المؤمنين مباني مشهور فقهاء الشيعة الامامية اعزهم الله لتتضح المسالة ولا ينخدعوا بكلام هذا البعض الذي مر ذكره فنقول وعلى الله الاتكال
قال الله تعالى في كتابه الكريم (ويسالونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) البقرة 189. وبما ان رؤية الهلال مسالة ترتبط بالأحكام الشرعية كالصوم الحج والزكاة وسن البلوغ وغيرها من جهة تحديد موضوعاتها، كان لابد للفقهاء من بحثها بحثا مفصلا ومطولا للوصول الى نتائج لبيان التكليف الشرعي لكل مكلف وحسب المنطقة التي يسكن فيها ولتقريب الفكرة لدى المؤمنين نقول ان الاستهلال امر موجه الى المكلفين انفسهم باعتباره موضوعا لحكم شرعي وهو وجوب الصوم او وجوب الافطار يوم العيد والدليل عليه ما ورد من الرواية في كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي قدس الله نفسه (اذا رأيت الهلال فصم واذا رايته فافطر)الوسائل جزء10 الصفحة 252 باب 3 الحديث 1. وقوله عليه السلام (صم للرؤية وافطر للرؤية ) المصدر السابق صفحة 258 الحديث 18. فاذا رأى المكلف الهلال بنفسه واطمان من تحقق رؤيته فعليه الافطار وان لم يره المكلف فينبغي له ان يرجع الى مرجع تقليده ليعرف استظهاره ومبناه في هذه المسالة حيث انقسم الفقهاء في الاستظهار من قول الامام في الاحاديث المتقدمة (صم للرؤية وافطر للرؤية) الى قسمين:
القسم الاول: قال بان الرؤية في الحديث المتقدم يقصد بها الرؤية بالعين المجردة باعتبار انها القدر المتيقن حصوله في ذلك الزمان حيث لم تكن مناظير ولا تلسكوبات حتى يتم رؤية الهلال وتعيين موقعه في الافق من خلالها. وبتعبيرهم ان الرؤية بالعين المجردة اخذت في حديث الامام على نحو الموضوعية اي ان موضوع الرؤية لا يتحقق الا بها.
القسم الثاني: قال لا يمكن ان نغفل عن التطور التقني الذي يمكن ان يساعد الانسان في تحديد رؤية الهلال وما ذكره الامام من الرؤية لا تنحصر بالعين المجردة بل يمكن ان تتعدى الى الرؤية بالمناظير او التلسكوبات ايضا… بمعنى ان الرؤية في كلام الامام اخذت على نحو الطريقية وهذا يعني اي طريق يحقق للمكلف رؤية الهلال فيجب عليه ترتيب اثر هذه الرؤية ولا يقتصر على الرؤية بالعين المجردة.
ولا نريد الاطالة في رد الفريق الثاني على الاول وبالعكس فأنها مسالة يصعب على غير طلبة العلم استيعابها ونقتصر على مقدار الضرورة في تقريب الافكار لدى المؤمنين اعزهم الله…
ثم بعد هذين الرأيين الراسيين برزت مسالة اتحاد الافاق واختلافها وكيفية ثبوت الهلال في المناطق المتباعدة عنا وهل يثبت الهلال عندنا ان لم يمكن رؤيته وامكن رؤيته في غير بلد والحديث فيها يدور في ما ورد عن (الامام الصادق في صحيحة اسحاق بن عمار عن هلال شهر رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان؟ قال عليه السلام لا تصمه الا ان تراه. فان شهد اهل بلد اخر انهم راوه فأقضه)
ومن خلال ملاحظة كلمة البلد في حديث الامام اجملت الاقوال في المسالة الى اربعة:
القول الاول: وهو القول بوحدة الافاق في العالم كله اي ان الهلال اذا رؤي في بلد بالعين المجردة طبعا فهو كافي في ثبوته في باقي بلدان العالم بشرط ان تشترك هذه البلدان بجزء من اليل ولو يسيرا وهو مبنى السيد الخوئي قدس الله نفسه وتبعه على ذلك تلميذه سماحة شيخنا الاستاذ الفياض دام ظله.
القول الثاني: نفس القول بثبوت الرؤية ووحدة الافاق الا انه يفترق عنه بإمكان ثبوته بالعين المسلحة وهو ما ذهب اليه السيد الحائري والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي قدس الله نفسه وزاد السيد الشاهرودي ان الرؤية بالمنظار لا بالتلسكوب والفرق بين رؤية الهلال بالتلسكوب فانه قد لا يمكن للإنسان العادي رؤية الهلال بالعين المجردة ولكن يمكن رؤيته بالتلسكوب اما المنظار فهو يثبت امكانيه الرؤية بالعين المجردة الا انه هناك مانع من غيم او غبار او دخان او ما شاكل ذلك تمنع من رؤيته بالعين المجردة.
وللقول باتحاد الافاق قولين اخرين وهما لسماحة شيخنا الاستاذ اليعقوبي دام ظله حيث ذهب الى اختلاف الافاق ولكن حصرها ببلدان اهل الصلاة اي الدول الاسلامية وان اختلفت في الافق اما اذا لم تكن البلاد كذلك فلكل بلد هلال نفسه فيثبت فيه وفي البلدان المتحدة معه في الافق وبشرط ايضا كون الرؤية بالعين المجردة لاحتمال تداخل امور غير محسوبة في الرؤية بالمناظير او التلسكوبات. وزاد دام ظله بإمكان ثبوت الهلال بحكم الحاكم الشرعي الذي يرى مصلحة البلاد والعباد في اثبات الهلال.
والقول الاخر لسماحة السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله فهو يرى انه لو ثبت الهلال ورؤي بالعين المجردة ايضا في بلدان العالم الاسلامي القديم عهد امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فهو كاف في ثبوته في البلدان الاخرى وان اختلفت افاقها.
القول الثالث: تعدد الافاق وان لكل بلد افق نفسه ويتحد مع بعض البلدان القريبة منه وعلى خط طوله بحيث تكون مشارقهم ومغاربهم واحدة مع شرط الرؤية بالعين المجردة ايضا. وهو مبنى السيد السيستاني دام ظله والشيخ مكارم الشيرازي دام ظله.
القول الرابع: نفس القول الثالث الا انه قال بكفاية ثبوت الهلال لو رؤي بالعين المسلحة وهو مبنى سماحة السيد الخامنئي حفظه الله.
وللقول بتعدد الافاق ايضا تتمة حيث ذهب سيدنا الشهيد الصدر الثاني قدس الله نفسه الى انه اذا رؤي الهلال في بلد من الارض كفى في ثبوته في غيره مع اشتراكهما في الافق عرفا وكذلك الاشتراك في خط الطول واذا لم يتحقق ذلك فان ثبوت الهلال في منطقة كاف في ثبوته فيما يكون على غربها من المناطق (كالعراق وايران مثل) لا على ما يكون على شرقها الا بعد مضي فترة زمنيه كعشرين ساعة مثلا.
هذا هو اجمال القول في مسالة رؤية الهلال فالمكلف الذي يرجع الى فقيه في تقليده فعليه لزاما ان يتمسك بقوله ويعمل على طبق رايه الفقهي واذا اطمان براي غيره من الفقهاء فله ان يعمل على اطمئنانه ايضا.
نسال الله لجميع المؤمنين التوفيق السداد وان يتقبل منا ومنهم صالح العمل بمنه وفضله انه نعم المولى ونعم النصير