عبد الكريم سروش والخلط المعرفي 4

349

المقال الرابع: عبد الكريم سروش والخلط المعرفي

 

الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

إن (تاريخانية) عبد الكريم سروش واضحة المعالم في قوله: (الهاجس الأساس في أمر التقنين هو ان هذه الأحكام والقوانين لا بدّ ان تكون عادلة في أجواء زمانه وتبتعد عن الظلم في عرف ذلك الوقت لا أنها تمثل العدالة المطلقة وفوق التاريخية. بمعنى ان النبي عمل على إصدار قوانين وتشريعات كانت تقترن بالعدل في مفهوم تلك الأجواء وتلك الأذهان وبعيدة عن طبيعة الظلم والجور في ذلك الزمان)([1]).

إن هذا ليس بالمدعى الجديد، ولا بالمنتهي، فهو يتكرر في كل زمان، ومكان، وأساسه مبني على (عدم صلاحية القرآن لكل زمان)، فإن القول بـ(تاريخانية القرآن)، ووقتية أحكام القرآن، وعدم صلاحيته لكل زمان من الدعوات التي تتكرر كل يوم، حتى جاء أدعياء الفكر المادي بلباس جديد لهذه الشبهة هو (التاريخانية).

إن هذه الدعوى الموجهة للقرآن الكريم ليست جديدة، فلقد سبق وأن تبناها فلاسفة ما يسمى بعصر التنوير الغربي، وقادة الفكر العلماني في نقدهم للتوراة والإنجيل، فاستوردها بعض المستشرقين، ثم أخذها منهم بعض اللاهثين وراءهم ليطبقوها على القرآن الكريم، وذلك لإثارة الشبهات حوله، والهدف من وراء ذلك ـ كله ـ هو عـدم الأخذ به بحجة انتهاء صلاحيته!

(إن محاولات اختزال ظاهرة الوحي إلى نوبات هستيرية أو ممارسات شعوذة أو إفادات من التراث الديني هي محاولات تنطلق على أساس رؤية مادية للوجود… إن أية مواقف تريد ان تحترم الحقيقة لا بدّ لها أن تتأسس على معطيات علمية دقيقة وموثوق بها. إن ظاهرة الوحي تفلت من دائرة المحسوس، ولا يمكن إخضاعها اليوم لأية اختبارات تجريبية علمية… وفي الاتجاه نفسه يحاول البعض الالتفاف على حقيقة الوحي من اجل القول ان الوحي الذي يتحدث عنه القرآن ليس إلا وحياً داخلياً وذاتياً، ونوعاً من حديث النفس كان يمارسه النبي)([2]). إن سروش وبخصوص (الوحي) يتبنى نظرية (وحدة الوجود العينية) التي تقول: ان الله والعالم شيء واحد، وهذا على طريقة (جلال الدين الرومي) الذي كان يقول: ان اتحاد النبي بالله مثل صب مياه المحيط في الدورق([3])، الذي يعتبر من مصادر أفكار سروش المهمة، وكذلك ما استشهد به سروش من قول لـ(مولوي)، وهو كون القرآن مرآة ذهن النبي([4])، في نحو تجاه الصوفية الطاغي على جملة من أفكار سروش. إن مقولة ان القرآن الكرم مجرد تجلٍ في شخصية النبي (ص)، فهو مجرد تكرار لمقولة (الوحي النفسي)، التي كان يتبناها المستشرقون من أمثال (نولدكه)، و(درمنغام)([5]).

(إن الإيمان بوحدة الوجود على طريقة سبينوزا، واعتبار الذات الإلهية حالة في جميع جزئيات هذا الكون بما في ذلك الإنسان، لا يمكن إلا ان تؤدي إلى هذه النتيجة. ولذلك نجد سروش يستشهد ببعض المقولات المنسوبة إلى بعض العرفانيين والمتصوفة من أجل تبرير موقفه والدفاع عن نفسه ضد هجمات بعض رجال الدين)([6]).

[1] – بسط التجربة النبوية، ص120.

[2] – تكوين النص القرآني، قاسم شعيب، ص45.

[3] – تكوين النص القرآني، قاسم شعيب، ص50.

[4] – تكوين النص القرآني، قاسم شعيب، ص51.

[5] – تكوين النص القرآني، قاسم شعيب، ص52.

[6] – تكوين النص القرآني، قاسم شعيب، ص53.