يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق … بين الحقيقة و الافتراء !!
يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق … بين الحقيقة و الافتراء !!
الشيخ عباس الطيب
بسم الله الرحمن الرحيم , و الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى اله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته, أخوتي وأخواتي في الله.
أما بعد…
الكثير منا يسمع هذا الحديث يتردد على ألألسن وخاصة على ألسن العراقيين, وحتى أصبح هذا الحديث شبه المُتسالم عليهِ بين العراقيين لشهرتهِ بينهم, و لكن للأسف الشديد لا أحد من الذين يرددون هذا الحديث على ألسنتهم أو من الذين يسمعونه قد سألوا أنفسهم يوماً وقالوا : هل أن هذا الحديث فعلاً قد صدرَ من الإمام علي (عليه السلام) أم لا ؟!.
فعن نفسي منذ زمن بعيد وأنا أسمع بهذا الحديث كثيراً يتردد على ألألسن, ولكن عندما كنتُ أتأمل مع نفسي قليلاً وأفكر فيهِ فلم أستطع أن أقتنع بهِ يوماً قط.
الـســـــؤال :
هل صحيح أن ما يُنسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أنه قال عن أهل العراق:
(( يا أهل العراق يا أهل الشقاق و النفاق )) ؟! .
الـجـــــواب:
لم نجد حديثاً قد صدر من أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا النص، بل ثَبَتَ في المصادر الإسلامية أن هكذا حديث قد صدر من أعداء أهل البيت (عليهم السلام), الذين يكيلون التهم والسُباب لأهل العراق الحبيب, لأن أهل العراق على مر التأريخ فيهم جذوة الثورة, ورفض الظلم, ولم يتقبلوا الحكام المتسلطين, وأنكروا الإسلام ألأموي المُزيف الذي حاولوا أعداء أهل البيت (عليهم السلام) الترويج له وإلى عصرنا الحاضر, و من أولئك الأعداء الذين أساءوا إلى العراق وأهلهِ على نحو الإطلاق:
(1) معاوية لعنه الله تعالى؛ فإنه قال للوليد بن جابر بن ظالم الطائي: ((… وأنك لتهددني يا أخا طي بأوباش العراق, أهل النفاق ومعدن الشقاق…)).
فكان رد وليد الطائي على معاوية كالصاعقة مُذكرَهُ بما فعلوه بهِ أهل العراق الأبطال في معركة صفين مع الإمام علي (عليه السلام), فقال له: ((يا معاوية هم الذين أشرقوكَ بالريق, وحبسوكَ في المضيق, وذادوكَ عن سَنَن الطريق؛ حتى لذتَ منهم بالمصاحف؛… فغضبَ معاوية))[1].
(2) الحجاج لعنه الله تعالى؛ فإنه قال في إحدى خطبة: ((يا أهل العراق, يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق, أما والله لألحونكم لحو العصا, ولأعصبنكم عصب السلم ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل…))[2].
(3) وفي خطبة ثانية له لعنه الله تعالى؛ يصف أهل العراق بهذا الوصف مرتين: ((يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق، إن الشيطان أستبطنكم… يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق! الكَفَرات بعد الفَجَرات))[3].
(4) وفي خطبة ثالثة له لعنه الله تعالى؛ بعد موت أخيه وأبنه قال: ((يا أهل العراق… فما زال بي شِقاقكم…))[4].
(5) الجلاد عثمان بن حيان لعنه الله تعالى؛ والي المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك: قال في خطبة له عندما وصل المدينة: ((أيها الناس إنا وجدناكم أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه, وقد ضوى إليكم من يَزيدُكم خبالاً, أهل العراق أهل الشقاق والنفاق, هم والله عُش النفاق…))[5].
والسبب الذي جعل معاوية, والحجاج, وعثمان بن حيان, أن يصفوا أهل العراق بهذه الأوصاف هو أن أهل العراق لم يكونوا مُطيعين لهم. ويُـبـيـن أبن أبي الحديد المُعتزلي سبب وعلة عصيان أهل العراق لهؤلاء وأمثالهم من أئمة الطغيان والجور, فـيـقـول:
وقال أبو عثمان الجاحظ: العِلّة في عصيان أهل العراق على الأمراء… أنّ أهل العراق أهلُ نظرٍ و ذوو فِطَن ثاقبة, ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث, ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقَدْح والترجيحُ بين الرجال, والتمييز بين الرؤساء, وإظهارُ عيوب الاُمراء…, وما زال العراق موصوفاً أهله بقلّة الطاعة, وبالشقاق على أولي الرئاسة[6].
و لو افترضنا صدور مثل هذا الكلام من أحد المعصومين (عليهم السلام) فإنه قطعاً لا يشمل الموالين لأهل البيت (عليهم السلام), بل هو خاصٌ بأعدائِهم من أهل العراق وليس عامٌ, لأن العراق في ذلك الوقت بعد لم يكن كل أهله من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام), بل فيه الكثير من المعاندين, وأذكر على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: فإننا نجد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد وصف أصحاب الجمل, أتباع عائشة وطلحة والزبير بقولهِ: ((كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَدِينُكُمْ نِفَاقٌ وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ…))[7] .
ثانياً: عن صفوان الجمَّال قال: قال الإمام الصادق (صلوات الله عليه) في زيارة الأربعين: ((اَلسَّلامُ عَلى وَلِيِّ اللهِ وَحَبيبِهِ، اَلسَّلامُ عَلى خَليلِ اللهِ وَنَجيبِهِ،… وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا،… وَأطاعَ مِنْ عِبادِكَ أهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَحَمَلَةَ الأوْزارِ الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ,…))[8].
وعلى هذا الأساس يُفسر ما ورد في الزيارة, وهم أعداء أهل البيت (عليهم السلام), ولم يقل في الزيارة أن كل أهل العراق أو بعضهم من أهل الشقاق والنفاق, بل أن المَـطَـاعِـين أمثال عبيد الله بن زياد, وعمر بن سعد, وشمراً لعنهم الله تعالى المتسلطين من قبل السلطة الأموية هم أهل الشقاق والنفاق.
ثالثاُ: بل أننا نجد أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد جعل صفتا (الشقاق والنفاق) وصفاً خاصاً بأعداء الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بقوله في خطبة الـغـديـر: ((مَعاشِرَ النّاسِ، أَنَا صِراطُ اللهِ الْمُسْتَقيمُ الَّذي أَمَرَكُمْ بِإتِّباعِهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدِي، ثُمَّ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةُ الْهُدَى، يَهْدُونَ إلَى الْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ… أَلا إنَّ أَعْداءَ عَلِيٌّ هُمُ أهْلُ الشِّقَاقِ وَالنِفَاقِ,…))[9].
الـخُـلاصـــــة : إن منهج أهل البيت (عليهم السلام) واضح, وهو منهج القرآن الذي لا يرى للقوميات والأعراق والبلدان أثرٌ في إيمان أو نفاق الشخص.
فقد رفع الإسلامُ سلماناً المحمدي وهو فارسي, وأذلَ أبا لهبٍ وهو عم النبي (صلى الله عليه واله وسلم)!.
فبناءً على كل ما تقدم فإنه لا يُمكن أن يصدر من أهل البيت (عليهم السلام) مثل هكذا قولٍ, بل ليس من العدل والمنطق أن يُنسب إلى أمة بكاملها إلى الشقاق والنفاق.
استدراك: نعم قد نَسَبَ الشيخ الطوسي هذا القول إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسيرهِ (تفسير التبيان)[10], ولكن لا يُمكن الاعتماد عليهِ بتاتاً, وذلكَ لأمرين:
الأمـر الأول: أن الشيخ الطوسي قد أورده مرسلاً دون ذكر أي طريق له.
الأمـر الثاني: أن الشيخ الطوسي لم يذكر من أين أخذه, أي مجهول المصدر.
ولكن عند الرجوع والتفحص في المصادر كـ(البيان والتبيين) للجاحظ, و(تاريخ الطبري), والمصادر اللاحقة له كـ(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد المعتزلي, و(البداية والنهاية) لأبن كثير, نجد أنها قد أوردت نفس الكلام عن الحجاج مخاطباً به أهل العراق (وهو الذي مر سابقاً).
الـخـاتـمـــــة: وبعد الرجوع للمصادر والبحث فيها يُمكن الجزم و القطع على أن هذا الحديث لم يصدر من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أبداً, بل من أعدائهِ. فلاحظ وتأمل.
نسألكم الدعاء, ودمتم في رعاية الله وحفظِ.
الـهـوامـش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج16 , ص291 . [2] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص252 . [3] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص252 – 253 . [4] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص254 . [5] تاريخ الطبري : ج6 , ص485 . [6] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص251 – 252 . [7] شرح نهج البلاغة , محمد عبدة : ج1 , ص46 , خطبة رقم / 13 . [8] مفاتيح الجنان , الشيخ عباس القمي : الزيارة الثامنة زيارة الأربعين , ص512 . [9] الاحتجاج , الشيخ الطبرسي : ج1 , ص80 . [10] تفسير التبيان , الشيخ الطوسي : ج9 , ص 138 .