خصوبة معاني المفردات في الدلالات القرآنية

658

خصوبة معاني المفردات في الدلالات القرآنية

 

مسلم الباهلي

 

لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَليمُ الْكَريمُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الاَرَضينَ السَّبْعِ، وَما فيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ، وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم المصطفى محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين

 

الاهداء

قال تعالى:

]وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [ (التوبة : 105)

فأرجو ان يكون هذا الجهد المتواضع بين يدي الله تعالى كما اهدي ثمرة هذا البحث إلى سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) ثم إلى اساتذتنا ومشايخنا الكرام في جامعة الصدر الدينية واتقدم للجميع بوافر الشكر والتقدير لما بذلوا ويبذلون من جهود مضنية لايصال الاحكام الشرعية وعلوم اهل البيت عليهم السلام إلى طلبتنا ومجتمعنا وأرجو من الله القبول والتسديد. 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

لقد امرنا الله تعالى في القران الكريم بالتدبر في قراءة آياته لما فيها من العلوم والمعاني ليتسنى لنا فهمها فهما دقيقاً سليما وفق احكامها قال تعالى: ]كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ[([1]).

3

وأشار القران الكريم إلى الذين يمرون في قراءتهم للقران الكريم مرارا بغير تدبر ولا تفكر منهم فقال: ]أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[([2]).

وقال تعالى: ]أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ[([3]).  

فلو تدبرنا الفرق بين الآيتين الكريمتين نلاحظ الكلمتين([4]) (يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ) في سورة محمد صلى الله عليه واله وفي سورة المؤمنون جاءت كلمة (يَدَّبَّرُوا) بغير حرف التاء فأن السبب والعلة في المعنى مهم جدا لا تصل اليه الا بالتدبر الذي امرنا به القران الكريم وهو ان كلمة (يَتَدَبَّرُونَ) الثقيلة جاءت مع القران ]أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ[ ولان القران كتاب الله العزيز لما فيه من احكام متعددة وتكاليف منوعة فجاءت الكلمة الثقيلة (يَتَدَبَّرُونَ) لتناسب المعنى.

اما كلمة (يَدَّبَّرُوا) الخفيفة بدون تاء فجاءت مع القول ]أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ[ والقول هو اصغر واقل من القران فجاءت الكلمة لتناسب تدبر القول ومثل هذه المعاني لا يحضى بها قارئ القران الا بالتدبر والتفكر الذي امرنا الله في كتابه الكريم لنصل إلى هذه النتيجة التي يريدها الله تبارك وتعالى للمؤمن الذي يقرأ كلام الله تعالى وهو المعجزة التي عجزت عن مجاراتها العقول في كل زمان ومكان .

 

 

 

دلالة تكرار الحروف([5])

5

قال تعالى في قصة نوح: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ)([6]). فقد تكررت وتوالت ثمان ميمات لما في هذه الحروف المشددة من تكرار وتضعيف والآية الكريمة تتحدث عن بشارة الله تعالى إلى نبيه نوح (عليه السلام)  بهبوط السفينة على الأرض بعد مشقة الابحار وخطورته ونجاة من على ظهر السفينة من الغرق ليبدأ بتعمير الارض بعد الطوفان ، وان اجتماع الميمات الأربع بتلك الصفة معبراً تماماً عن اجتماع تلك الامم لما في الميم من صفة الاجتماع في المخرج عند النطق بها اذ تنظم الشفتين وتجتمعان عند النطق بالميم والامم التي اجتمعت في السفينة هم من الانس والجن والدواب والطيور اربعة لكل منها ذكر وانثى فتصبح ثمانية وبعد التشديد للميمات الاربعة تكون مناسبة للمقام فيا سبحان الله([7]).

3
2

وذكر الله تعالى الحوار الذي دار بين ابناء نبي الله يعقوب ( عليه السلام ) وهم يخاطبون اباهم قال تعالى: ]قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ[([8]). فتكرار حرف التاء وبعدها حرف ساكن يوحي إلى  الصوت الانفجاري وخصوصا اذا كانت التاء مفتوحة اتسعت رقعة الانفجار فـي النطــق (تَا، تَفـْ ، تَذْ) ولا نجد اوضح واصدق من هذه الصورة التي التقطتها هذه الكلمات الثلاثة معبرة عن الموقف المتأزم الخانق بين نبي الله يعقوب (عليه السلام) وابناءه بعد ان فعلوا فعلهم بظلم اخيهم يوسف.

6

وكذلك قول الله تعالى على لسان نبيه ابراهيم (عليه السلام) لابيه آزر ]يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً[([9]). فالمقام مقام ملاطفة وملاينة والحديث تفوح منه رائحة النبوة والانسانية في قوله (يَا أَبَتِ) كما جاء التعبير بـ (يَمَسَّكَ) ولم يقل يصيبك للّطف الذي في حرف السين الهمسي، وقول ابراهيم (عليه السلام) ]إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ[ فلم يقل عذابٌ من المنتقم او الجبار فقال (مِنَ الرَّحْمَنِ) فكيف يكون العذاب من الرحمن، لكن النبي (عليه السلام) يحدث اباه بحديث الرحمة والرأفة ليحذر اباه وينذره فجمع التحذير والرحمة والرأفة في آن واحد.

الدلالة الزمانية([10])

7

قال تعالى: ]وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ[([11]) القصة القرآنية قد حرصت على ذكر الزمن الذي جاء فيه اخوة يوسف ليخبروا عن جريمتهم أي ان العنصر الزماني اقتضاه الحال وذلك ان ظلام الليل الذي اظل هذه الكذبة هو نفسه الذي نم عن كذبهم والقى في روع الاب ان ابناءه يكذبون فلو كانوا صادقين لاسرعوا اليه مخبرين بالحدث المزعوم ان الذئب اكل اخاهم لان مثل هذه الحوادث لا يسكت عنها لحظة لكنهم بعد جريمتهم قضوا وقتهم في التفكير والتدبير بإيصال الخبر إلى الاب فجاءت كلمة (عِشَاءً) لفضح سرهم وافشاء كذبهم ، وكذلك قول الله تعالى يصف صبر يوسف (عليه السلام) وتحمله سنين السجن والآمه ومن المعروف ان لحظات السجن تمر ثقيلة جدا على السجين لكن تعبير القران وروعة التعبير تسلط الضوء باختيار المفردات الكاشفة عن روعة المعنى قال تعالى: ]فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ[([12]) فعبر عن سنين السجن الثقيلة وطولها بـ (بِضْعَ سِنِينَ) دلالة واضحة على الحالة التي كان بها النبي (عليه السلام) ونفسيته الكبيرة في تحمل المشاق والآلام في سبيل الله ومدى قوته وصبره لتحمل مشاق الدعوة إلى الله تعالى فحول تلك الفترة من السجن إلى دعوة الناس للعبادة والتوحيد بدلا من ان يشغل نفسه بأحزانه وآلامه.

 

دلالة الإفراد والجمع([13])

استخدم العرب جمع المذكر السالم اشارة إلى جمع القلة، وجمع التكسير لجمع الكثرة فجاء القران الكريم موافقا للغة العرب، قال تعالى في تأويل حلم او رؤية ملك مصر في قوله تعالى: ]وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ[([14]).

وقوله تعالى: ]مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[([15]).  

فجمع السنبلات في سورة يوسف جمع مؤنث سالم إشارة إلى جمع القلة بينما جمع السنابل في سورة البقرة جمع تكسير إشارة لجمع الكثرة لانها في مقام مضاعفة الأجر ونمائه لان الله تعالى يضاعف الأجر أضعاف كثيرة (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) وكذلك قوله تعالى عن لسان بني اسرائيل: ]وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً[ ([16]). وقوله تعالى: ]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ[([17]).

فجاء الجمع في سورة البقرة (معدودة)، وفي سورة آل عمران (معدودات).

ففي جمع سورة البقرة (معدودة) تعبير عن الكثرة لان بني اسرائيل كانوا يصرون على المعصية فوعدهم الله تعالى بالعذاب الاليم الطويل فلم يجمع الكلمة جمع سالم ليناسب التعبير المقام ]فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[([18]). لكن في جمع المؤنث السالم (معدودات) اشارة إلى جمع القلة في سورة آل عمران لان المقام يختلف، فلم يكن لهم اصرار على المعاصي حيث قال تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)([19]). فهنا اختلف مقام الخطاب عما في سورة البقرة فجاء التعبير هنا مخففا معبرا عن الجمع لايام العذاب بجمع القلة (معدودات) جمع سالم.

 

 

الدلالة الصوتية([20])

1

أختار القران الكريم الاصوات من خلال لفظ حروف الكلمات المبينة للحدث والمناسبة لكل مقام مثل قوله تعالى في الحوار الذي دار بين ادم (عليه السلام) وبين ابليس الملعون حيث جاء التعبير ]فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى[([21]). فكلمة (وَسْوَسَ) بما فيها من تكرار لـ (وس) الذي يشتمل على هذه الحروف التي تصدر اصواتا غائمة مشوشة هي اشبه بهذه الوسوسة الخفية وتكرار اللحاح، وكذلك قوله تعالى في حوار نبي الله إبراهيم (عليه السلام) مع قومه: ]وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ، مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ[([22]). فمعنى الكبكبة تكرار الكب وفي اللفظ دليل على تكرار المعنى كأنه اذا القي الكافر في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعر جهنم والعياذ بالله كما ان تكرار حرف الباء مع الكاف لما فيها من قلقة انفجارية يأتي مناسباً للمقام تماماً، المناسبة لمحاكاة تردي تلك الافواج في النار، فالكلمة بحروفها الانفجارية معبرة عن صوت الوقوع والاصطدام وتكرار حرف الكاف مع الباء واحتكاكهما معبرا عن احتكاك تلك الأفواج مع بعضها البعض في الوقوع في قعر جهنم والعياذ بالله من النار ومن غضب الجبار.

وهناك امثلة كثيرة في القران الكريم مثل كلمة ]أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ[([23]). فوظفت كلمة (َنُلْزِمُكُمُوهَا) توظيفاً فنياً مقصوداً بما تفهمه من ثقل وصعوبة التحمل والاكراه على حمل شيء ينفر منه المدعو حمله ويستثقله وقد يضيع المعنى اذا ابدلنا هذه الكلمة بكلمة أخرى مثل (انلزمكم اياها) أو (انلزمكم بها) فهذه الكلمات لا تعطي الايحاء لثقل معنى كلمة (أَنُلْزِمُكُمُوهَا).

وكذلك قوله تعالى: ]رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ[([24]). فكلمة افرغ مناسبة لوصف هدوء الحركة في الافراغ بمعنى نطلب الصبر شيئاً فشيئاً لاستمرار المحنة مع تهديدات فرعون ووعيده بعد ان توعد الذين امنوا من السحرة واعلنوا ايمانهم بالله وبالنبي موسى (عليه السلام) توعدهم فرعون بقطع ايديهم وقطع ارجلهم ثم صلبهم على جذوع النخيل فهذه المحن المتتالية تتطلب افراغ الصبر مرة بعد مرة لما يناسب المحن فلو ابدلنا كلمة (افرغ) بكلمة اخرى مثل (صب) او (اصبب) مثلا لما ناسبت المعنى في الافراغ فكلمة (صب) تعطي صورة للحركة مرة واحدة وبسرعة ولكنهم طلبوا افراغ الصبر متواليا ومتصلاً.

3

وكذلك قول الله تعالى للنبي محمد (صلى الله عليه واله): ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ[([25])، امر الله تعالى نبيه ان يجهر بالدعوة ويعلن بها رغم المعارضة الشديدة من قبل المشركين من قريش فجاءت كلمة (اصْدَعْ) صريحة بمعنى اعلن دعوة الحق وان شق ذلك على قلوبهم وتصدعها كما ينصدع الزجاج .

3

وكذلك قوله تعالى في قول (ابو إبراهيم) آزر: ]لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً[([26]). ان آزر توعد إبراهيم لانه كفر بالاصنام وآمن بالله الواحد فتوعد الاب ان يرجم ابراهيم بالحجارة فجاءت كلمة (لأَرْجُمَنَّكَ) فتضعيف النون يُشعر بشدتها فضلا عن تكرارها وكأن الكلمة تشعر بوقع الحجر على الجسم اثناء الرجم وحرف الراء الساكن في الكلمة لما فيه من تردد الصوت يضفي معنى إضافياً على الشدة للرجم وتكراره لتردد صوت الراء وتشديد النون كأنهما يوضحان الصوت مع الصورة وكذلك قوله تعالى في قصة نوح (عليه السلام): ]وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[([27]) وقراءة حفص بالامالة (مَجْرَاهَا)([28]) وكان الصوت يعطي صورة لهدوء عملية ارساء السفينة على جبل الجودي وهذا عامل يُطمئن الركاب في السفينة بركوب السفينة التي لا عهد لهم بإبحارها فهي راسية على الأرض ومن هنا كان العجب من جري هذه السفينة وكأنها ستجري بمشيئة الله تعالى ]بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا[، وان جريانها سيكون سهلا بلا مشقة ومن هنا جاءت الامالة في نطق الكلمة فهي اليق من الالف (مجريها) وقوله تعالى على لسان قابيل بعد مقتل اخيه هابيل قال: ]قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي[([29]). فكلمة الندم (يَا وَيْلَتَا) التي تنتهي بحد التاء المفتوحة بالالف حاكية تماماً عن صوت العويل لمن يصرخ أو يندم ويقول الحافظ في الاختيار للغراب تحديدا فهذا الطير تعبير تأكيد بشاعة الموقف المعبر عن الوحشية فلو كان مكان الغراب طيرا جميل الشكل أو انسان حسن صالح عاقل لما حسُن بقابيل ان يقول (يَا وَيْلَتَا) قال اعجزت ان اكون مثل هذا الطير الجميل أو ان اكون مثل هذا الرجل الصالح فكلما كان المشبه به أقل واسفل كانت الموعظة في ذلك أشد وابلغ .

 

 

 

دلالة الاستفهام([30])

للاستفهام في الحوار القرآني أهمية كبيرة حيث يبرز اسلوب الاستفهام على راس الخصائص البلاغية الملحوظة في الحوار القرآني لما له من القدرة على اظهار المعاني حقيقية كانت ام مجازية ومعاني الاستفهام في القران الكريم كثيرة جدا منها:

1- استفهام التعجب:

عن لسان زوجة النبي ابراهيم (عليه السلام) ]قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ[([31]). جاء التعجب من تبشيرها بالولادة من قبل الملائكة وهي عجوز وزوجها شيخ كبير لكنها قدمت عجزها على شيخوخة زوجها لان المرأة المسنة يمتنع عليها الحمل بخلاف كبر الرجل فإنه لا يمنع من الانجاب فضلا عن انها لم تنجب منذ كانت شابة وقوية لعارض فيها يمنع الحمل والانجاب فكيف الان وقد كبرت وعجزت فكان عجزها بالمرتبة الأولى عن الانجاب فقدمته بالخطاب ثم يأتي كبر زوجها وشيخوخته في المرتبة الثانية .

2- الاستفهام التقريري:

قال تعالى في سورة الضحى ]أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى ، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [([32]).

3- استفهام التهكم والسخرية:

]قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ[([33]).

4- استفهام التأنيب:

]قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ، أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي[([34]).

فإن نبي الله موسى (عليه السلام) يستفهم من اخيه هارون ويؤنبه لان بني اسرائيل اتخذوا العجل إله لهم بعد غياب موسى لميقات ربه.

5- استفهام الاستعطاف:

]وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ[([35]). وقوله تعالى: ]وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ[([36]). فجملة ]أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ[ فإن موسى (عليه السلام) يطلب العفو والعطف من الله تعالى لقومه المذنبين ولكن هذا الاستعطاف جاء بصيغة الاستفهام.

 

6- استفهام التحريض:

4

في سورة الاعراف ]وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ[([37]).   

 فإن ملأ فرعون والمقربين منه يحرضون فرعون على بني اسرائيل لانهم مالوا للايمان بدعوة موسى (عليه السلام) فتمكنوا من اثارة غضب فرعون بإسلوب استفهامي.

7- استفهام العتاب:

قال تعالى في سورة التوبة ]عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ[([38]). كان المسلمون – البعض منهم – يستأذنون النبي (صلى الله عليه واله) بأن يجعلهم مع المخلفين في المدينة ويعتذرون من عدم الجهاد بأعذار واهية كاذبة والنبي (صلى الله عليه واله) مع علمه بعدم صدقهم كان يأذن لهم بالبقاء فيأتي العتاب الاستفهامي اللطيف في القران الكريم بقوله تعالى ]عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ[.

8- استفهام التوبيخ:

قوله تعالى ]أَئِفْكاً آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[([39]).   نلاحظ قول نبي الله ابراهيم (عليه السلام) وهو يوبخ قومه لانهم يعبدون التماثيل الحجرية التي ينحتونها بأيديهم فيوبخهم النبي ويستهجن عملهم بصيغة الاستفهام. وكذلك قول إبراهيم: ]مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ[([40]).    فيأتي الجواب منهم اعترافا منهم بعدم علمهم واتباعهم الباطل لابائهم في عبادة الاوثان ]قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ[([41])

1

9- استفهام لطلب المعرفة:

سؤال نبي الله زكريا لمريم وهو يجد الثمار والفواكه عند مريم بغير وقتها ]قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[([42])

10- استفهام التشويق:

قال تعالى: ]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى[([43]). افاد الاستفهام في الاية التشويق للمخاطب لمعرفة ما جرى لموسى (عليه السلام).

11- استفهام للنصح والارشاد:

كقوله تعالى: ]قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)([44])

12- استفهام للاقرار:

قال تعالى ]أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[([45]).

بلا يا رب، فمن غيرك يشرح صدورنا وبذكرك تطمئن القلوب.

13- استفهام النفي:

قال تعالى عن لسان نبي الله شعيب قال ]فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ[([46]).   هنا نبي الله شعيب (عليه السلام) لم يكن يريد ان يستفهم عن كيفية الاسى على قومه وقد كفروا وانما يريد ان ينفي عن نفسه الاسى على القوم لكفرهم وضلالهم .

 

 

 

دلالة تغيير الافعال في الخطاب الواحد

اشار المفسرون إلى ان الانتقال من صيغة فعل إلى آخر أو من ضمير إلى آخر ليبعد القارئ عن السأم والملل ويحفزه على الانتباه والتركيز كانتقال الخطاب القرآني من ضمير المتكلم إلى الغائب مثل ما جاء في سورة يوسف: ]يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ[([47]).    وفي سورة يس ]وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[([48]).    عدل من حال التكلم إلى الخطاب وذلك ابلغ من حيث انه اخرج الكلام من مناصحة نفسه وهو يريد نصح قومه تلطفاً منه واعلاناً بأنه يريد لهم ما يريد لنفسه ثم التفت اليهم لكونه في مقام التخويف والانذار ودعوتهم إلى الله تعالى مما يدفع السامع إلى الاستماع اليه فقال (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيكون البلاغ ابلغ حتى يصل به المقام إلى ان يقول: ]إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ[([49]). وقوله تعالى: ]وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[([50]). التفت إلى هذا الخطاب انتقل من التثنية إلى الجمع ثم وحده مخاطبا موسى وهارون (عليهما السلام) حيث قال ]وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ[ بالتثنية، ثم ساق الخطاب لهما ولقومهما: ]وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ[  ثم خص موسى بالبشارة (Îوَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) تعظيماً وتفخيماً لامره لانه الرسول المكلف من الله تعالى. وكذلك في قوله تعالى عن لسان فرعون: ]قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى[([51]). انتقل الخطاب من المثنى ليخصص الخطاب لموسى (عليه السلام) لانه المعني الأول.

وكذلك في قوله تعالى: ]فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى[([52]). فعدل الخطاب من المثنى إلى مخاطبة آدم (فَتَشْقَى) لان آدم هو المكلف وهو القوام فيكون الشقاء عليه اكبر، وقوله تعالى: ]الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ[([53]). انتقل الحديث من المخاطب إلى الغائب فعدل عن خطابهم إلى حكاية حال غيرهم للتعجب من كفرهم وفعلهم اذ لو استمر على خطابهم لفاتت هذه الاشارة لانهم تهاونوا بدينهم فعدل الخطاب للغائب اشارة لقلة المبالات والتهاون بهم. 

 

 

 

دلالة النداء القراني([54])

1

النداء طلب اقبال على الداعي ويكون النداء بحرف يدل على النداء، مثل قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا[ ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ[ وقد تحذف ياء النداء في خطاب الانبياء والاولياء مع ربهم سبحانه كما في قوله تعالى عن لسان إبراهيم ]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آَمِناً[([55]). وقول أم مريم: ]رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً[([56]). أو توجد ياء النداء الدالة على الخطاب مع البعيد بعداً مكانياً أو زمانياً أو روحياً فتستخدم ياء النداء حتى مع قريب في المكان مثل خطاب ابراهيم لابيه آزر: ]إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ، يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً[([57]).   فنلاحظ تكرار ياء النداء اكثر من مرة في هذا الخطاب على الرغم من قرب آزر من إبراهيم (عليه السلام) قرباً مكانياً لكنه بعيد عنه في المعتقد وشتان بين قرب المكان وقرب الروح لذلك خاطبه كما يخاطب البعيد.

ونلاحظ قوله تعالى في سورة يوسف: ]إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ[([58]). فهنا نبي الله يوسف استخدم في الخطاب مع ابيه يعقوب (عليه السلام) يا النداء، لكن الفرق بين خطاب الانبياء مع آبائهم سواء من نبي الله إبراهيم مع ابيه آزر  المشرك او نبرة يوسف (عليه السلام) مع ابيه يعقوب الموحد فتجد فرقاً في الحديثين، فنبرة الاحترام والتقدير يفوح شذاها من كلام الانبياء لكن الفرق في حديث إبراهيم مع ابيه المشرك تكررت فيه ياء النداء لبعده عنه في المعتقد والايمان ولكن نبي الله يوسف فيه ياء نداء واحدة فهي كافية للتنبيه لان يعقوب (عليه السلام) قريب من روح يوسف (عليه السلام) وايمانهم واحد على العكس من خطاب إبراهيم مع ابيه فقد تكررت الياء في خطابه مع ابيه في جمل متقاربة وفي ذات الحديث في المكان والزمان.

 

 

 

دلالة التقديم والتاخير

2
4
3

في تقديم وتأخير المفردات تظهر امكانات المبدع في الصياغة والتعبير ويجعل الكلام اكثر تأثيرا لانه ينقل المعاني إلى المخاطب على وفق ترتيبها في ذهن المتكلم كما في قوله تعالى: ] وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[([59]). فقدم المفعول (أَنْفُسَهُمْ) على عامله يظلمون وذلك اشارة إلى اختصاص الظلم بهم وانه لا يتعداهم وفي آية اخرى قدم المفعول الثاني على الأول نحو قوله تعالى: ]وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي[([60]). فقدم المفعول الثاني (وَزِيراً) على المفعول الاول (هَارُونَ) لانه كان في امس الحاجة إلى وزير نتيجة الوضع النفسي الذي كان يعانيه والدليل ان الترتيب جاء على وضعه الطبيعي في الآية الأخرى ]وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً[([61]). أو في قوله تعالى على لسان ابراهيم (عليه السلام) مع الملائكة ]إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ[([62]). ]وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً[([63]). وفي ذلك دلالة على ما أصاب ابراهيم من الخوف والوجل من الملائكة انفسهم لا من غيرهم فقدم (منكم على وجلون) وفي قوله تعالى: ]وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ[([64]).     

2

فاسحاق كان الامل الذي راود نبي الله إبراهيم طويلا فقد استجاب الله تعالى دعوته بأن يرزقه الولد بعد انتظار طويل ولكن الله تعالى يزيد في كرمه على إبراهيم بتحفة  اخرى بأن يجعل هذا الولد نبيا ومن الصالحين فكانت قرة عين ابراهيم (عليه السلام) هي في الولد ولكن كرم الله تعالى كان اوسع من ذلك فجاء تقديم (اسحاق على نبيا) يناسب الموقف تناسباً دقيقا فسبحان الله وفي قوله تعالى: ]قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى[([65]).   فقدموا هارون على موسى دلالة على ان هارون كان مألوفا عندهم اكثر من موسى لانه الاكبر وهارون لم يفارق المدينة كما فارقها موسى فترة ففي نظرهم ان هارون يتقدم على اخيه الأصغر. وكذلك قوله تعالى: ]وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ[([66]).   

علل الزمخشري تقديم الجبال على الطير في هذه الاية لان تسخير الجبال له بالتسبيح اعمق وادل على القدرة وادخل في الاعجاز لانها جماد والطير حيوان .

 

 

 

دلالة الامثال في القران الكريم([67])

هناك امثال كامنة وهي التي لم يصرح فيها  بلفظ التمثيل ولكنها تدل على معانٍ رائعة في ايجاز يكون لها وقعها اذا نقلت إلى ما يشابهها وامثال هذه في القران الكريم:

1- ما في معنى قولهم في المثل (خير الامور اوسطها).

ومثال هذا المعنى في القران الكريم قوله تعالى: ]وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ[([68]). أو كقوله تعالى: ]لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ[([69]). أو كقوله تعالى: ]وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً[([70]).

 

 

 

2- ما في قولهم (كما تدين تدان).

وهذا المثل في قوله تعالى: ]مَنْ يعْمَل سوءاً يُجزَ بهِ[([71]).

3- قولهم (ما تزرع تحصد).

فهذا في قوله تعالى ]مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ[([72]).  

اوقوله تعالى (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ)([73]).   

وهناك امثلة مرسلة في القران الكريم واضحة المعنى([74]) كقوله تعالى:

1- ]الآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ[([75]).  

2- ]لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ[([76]).

 

3- ]قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ[([77]).   

4- ]أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ[([78]).   

5- ]لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ[([79]).    

6- ]لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ[([80]).   

7- ]ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ[([81]).   

8- ]لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا[([82]).      

9- ]لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ[([83]).    

10- ]أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[([84]).

 

 

 

 

النتائج من البحث

الخاتمة:

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وحبانا برسوله الكريم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين وجعل طاعتهم فرضاً على المؤمنين وانعم علينا بكتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لنستنير به في ظلمات الجهل والانحراف.

من نعم الله تعالى على العباد ان يجعلهم متفكرين في كتابه يستطعمون موائده الفكرية على جميع الاصعدة ومن جملة ما لاحظت عبر سفري خلال المحطات:

أولاً:

ان الله تعالى اكرم عباده بأرسال انبيائه اليهم وجعل الانبياء كلٌ في مقامه وجعل نبيه وحبيبه محمداً (صلى الله عليه وآله) افضلهم وميزه رتبةً ومنزلة وهذا ما نجده في خطاب الله تعالى له (صلى الله عليه وآله)  فيخاطبه بعبارة يا ايها النبي ويا ايها الرسول دون الاسم تكريماً وتعظيماً.

وكذلك في خطاب النبي (صلى الله عليه وآله) مع الناس واهل مكة او المدينة فلم ترد كلمة (يا قوم) في خطاب النبي (صلى الله عليه وآله) وذلك لعموم رسالته وعدم خصوصيتها إلى قوم دون قوم حيث قال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً[([85]).   

ثانياً:

5
 

هناك تعابير وردت في القران الكريم لم ترد طبقاً لقواعد اللغة العربية مثل قوله تعالى: ]اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ[([86]).   

5

 والاصل ان يقول مع الراكعات واوعز المفسرون ان استعمال المذكر السالم يأتي في القران الكريم اشارة للتغليب ومثل: ]وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ[([87]). ويصح ان يكون التعبير (من القانتات) وكذلك قوله تعالى: ]فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ[([88]). ففسرها المفسرون ان نداءه للشمس بالمذكر لقصد الطالع.

أو ]كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ[([89]). والمعروف ان عاد لم يُرسل اليهم نبــــي غير هود (عليه السلام) وقد وصفهم الله تعالى بتكذيب الرسل جميعا وذلك كما ذكر المفسرون ان التكذيب منصب على جوهر الرسالة لا على شخص الرسول، وهذه الاشارة لطيفة جداً وقد ورد  مضمونها في أحاديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله).

ثالثاً:

هناك الفاظ قرآنية لا تزال في اللغة العربية واستخدامها مألوف في بعض الاوساط على الرغم من ندرتها مثل الاكمه وهو فاقد البصر([90]) ]وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ[([91]).   

حصص بمعنى ظهر ]الآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ[([92]).  

وهناك كلمات وردت في القران الكريم ولم تعد تستعمل في لغتنا في الوقت الحاضر مثل:

(بتك) بمعنى القطع ]لآوَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الأَنْعَامِ[([93]).

(ضيزى) بمعنى القسمة الناقصة ]تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى[([94]).

(تثريب) بمعنى اللوم والتأنيب ]قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ[([95]).

(ضغث) بمعنى ملء الكف ]وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً[([96]).     

(القِط) النصيب او الحصة ]رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ[([97]).

(الشية) لون في الجسد يخالف سائر اللون ]مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا[([98]).

رابعاً:

التهذيب في الحوار القرآني([99]) ولاسيما خطاب الانبياء مع اقوامهم مثل خطاب قوم هود ورده عليهم قال ]إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ[([100]). لاحظ الغلظة والقسوة في قولهم ولكنه اجابهم بكل لطف: ]قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ[([101]).   

وهذه رسالة لنا بأن حديث الملاطفة ابلغ في النفوس هكذا يعلمنا القران.

والحمد لله رب العالمين ]فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[([102]).     

جاء في البحث الروائي في تفسير مواهب الرحمن في تفسير القران([103]) للسيد عبد الاعلى السبزواري اعلى الله مقامه عن تفسير العياشي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال لما نزلت الاية ]مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا[([104]). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربي زدني فأنزل الله تعالى: ]مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[([105]).

فقال النبي (صلى الله عليه وآله) رب زدني فأنزل الله تعالى: ]مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[([106]).   فالاضعاف الكثيرة عند الله تعالى لا تعد ولا تحصى، وصل اللهم على محمد وال محمد.

 

 

 

مصادر البحث

1- تفسير مواهب الرحمن في تفسير القران لاية الله العظمى السيد عبد الاعلى السبزواري ( قدس سره).

2- أساليب البيان في القران للسيد جعفر الحسيني / قم مؤسسة بوستان.

3- رسالة الدكتور عبد المحسن لفته فارس الفياض.

4- معاني المفردات القرانية للدكتور فاضل صالح السامرائي مصدر ثانوي.

5- بلاغة الكلمة في التعبير القرآني للدكتور فاضل صالح السامرائي (استاذ بكلية الاداب جامعة بغداد).

6- تفسير مقتنيات الدرر اية الله السيد علي الطهراني

 

 

([1] ) سورة ص : 29.

([2] ) سورة محمد : 24.

([3] ) سورة المؤمنون : 68.

([4] ) بلاغة الكلمة في التعبير القرآني، د. صالح السامرائي : 42.

([5] ) التركيب اللغوي في الحوار القرآني : 140.

([6] ) سورة هود : 48.

([7] ) الاعجاز الصوتي للشيخ الهنداوي : 125.

([8] ) سورة يوسف : 85 .

([9] ) سورة مريم : 45.

([10] ) التركيب اللغوي في الحوار القرآني : ص64.

([11] ) سورة يوسف : 16.

([12] ) سورة يوسف : 42.

([13] ) التركيب اللغوي في القرآن الكريم : ص102.

([14] ) سورة البقرة : 261.

([15] ) سورة البقرة : 261.

([16] ) سورة البقرة : 80 .

([17] ) سورة آل عمران : 24.

([18] ) سورة البقرة : 79.

([19] ) سورة آل عمران : 23.

([20] ) التركيب اللغوي في الحوار القرآني للدكتور عبد المحسن فارس فياض : 130.

([21] ) سورة طه : 120.

([22] ) سورة الشعراء : 91-95.

([23] ) سورة هود : 28.

([24] ) سورة الاعراف : 126.

([25] ) سورة الحجر : 94.

([26] ) سورة مريم : 46.

([27] ) سورة هود : 41.

([28] ) التركيب اللغوي : ص137.

([29] ) سورة المائدة : 31.

([30] ) التركيب اللغوي في الحوار القرآني : 148.

([31] ) سورة هود : 72.

([32] ) سورة الضحى : 6-8.

([33] ) سورة هود : 87.

([34] ) سورة طه : 93.

([35] ) سورة الاعراف : 65.

([36] ) سورة الاعراف : 155.

([37] ) سورة الاعراف : 127.

([38] ) سورة التوبة : 43.

([39] ) سورة الصافات : 86 .

([40] ) سورة الانبياء : 52.

([41] ) سورة الانبياء : 53.

([42] ) سورة آل عمران : 37.

([43] ) سورة النازعات : 15.

([44] ) سورة العنكبوت : 20.

([45] ) سورة الشرح : 1

([46] ) سورة الاعراف : 22.

([47] ) سورة يوسف : 29.

([48] ) سورة يس : 22.

([49] ) سورة يس : 25.

([50] ) سورة يونس : 87 .

([51] ) سورة طه : 49.

([52] ) سورة طه : 117.

([53] ) سورة يونس : 22.

([54] ) التركيب اللغوي في القرآن الكريم : 152.

([55] ) سورة البقرة : 126.

([56] ) سورة آل عمران : 35.

([57] ) سورة مريم : 45.

([58] ) سورة يوسف : 4.

([59] ) سورة البقرة : 57.

([60] ) سورة طه : 29.

([61] ) سورة الفرقان : 35.

([62] ) سورة الحجر : 52.

([63] ) سورة هود : 70.

([64] ) سورة الصافات : 112.

([65] ) سورة طه : 70.

([66] ) الأنبياء : 79.

([67] ) اساليب البيان في القرآن للسيد جعفر الحسيني : 633.

([68] ) سورة الاسراء : 29.

([69] ) سورة البقرة : 68.

([70] ) سورة الاسراء : 110.

([71] ) سورة البقرة : 260.

([72] ) سورة الجاثية : 14.

([73] ) سورة الأسراء : 15.

([74] ) اساليب البيان في القرآن : 636.

([75] ) سورة يوسف : 51.

([76] ) سورة النجم : 58.

([77] ) سورة يوسف : 41.

([78] ) سورة هود : 58.

([79] ) سورة الانعام : 67.

([80] ) سورة الصافات : 61.

([81] ) سورة الحج : 73.

([82] ) سورة البقرة : 286.

([83] ) سورة المائدة : 100.

([84] ) سورة البقرة : 216.

([85] ) سورة سبأ : 28.

([86] ) سورة آل عمران : 43.

([87] ) سورة التحريم : 12.

([88] ) سورة الانعام : 78.

([89] ) سورة الشعراء : 123.

([90] ) التركيب اللغوي في الحوار القرآني : 481.

([91] ) سورة آل عمران : 49.

([92] ) سورة يوسف : 51.

([93] ) سورة النساء : 119.

([94] ) سورة النجم : 22.

([95] ) سورة يوسف : 92.

([96] ) سورة ص : 44.

([97] ) سورة ص : 16.

([98] ) سورة البقرة : 71.

([99] ) التركيب اللغوي في الحوار القرآني : 477.

([100] ) سورة الاعراف : 66.

([101] ) سورة الاعراف : 67.

([102] ) سورة البقرة : 200-201.

([103] ) مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

([104] ) سورة النمل : 89 .

([105] ) سورة الانعام : 160.

([106] ) سورة البقرة : 245.