همسات معرفية (٧) وحدة الواقعية لا تعني وحدة الواجب والممكن

611

همسات معرفية (٧)

وحدة الواقعية لا تعني وحدة الواجب والممكن

 

السيد فاضل الموسوي الجابري

من القضايا التي زلت فيها الأقدام، وانحرفت بسببها الأفهام، واختلط فيها الحق والباطل ،هي توهم أن وحدة الواقعية والوجود يلزم منه القول بوحدة الواجب والممكن ،وهو المعبر عنه في السنتهم بالوحدة الشخصية للوجود. وقد قربوا ذلك بتقريبات بعيدة كل البعد عن الحق ، ولا شك بأنه من المزالق الكبرى الناتجة عن عدم الدقة في الاحاطة بالأفكار الكبيرة والعميقة ، والنظر إلى جهة دون بقية الجهات ،ولازم دون سائر اللوازم.

توضيح ذلك:

لا شك بأن هناك موجودات كثيرة ومتباينة على الرغم من اشتراكها جميعا بالموجودية التي هي جهة الوحدة فيها ، وهذه الوحدة الوجودية هي التي نسميها بالواقعية ،فبها تكون تلك الموجودات فاعلة ومؤثرة ، ولولاها لما صدر أي اثر لها لانها سوف تكون حينذاك معدومة ، ولا شك بأن المعدوم لا اثر له ، فالأثر منسوب لهذه الموجودات المتكثرة  والماهيات المتباينة إلا أنه أثرها بالوجود لا بنفسها ، اي بسبب الوجود لا بسبب الماهية. فالماهيات متحققة ولها آثار مختلفة ولكن هذه الآثار تشترك بالوحدة الوجودية أيضا ، فلم تخرج عن الوحدة حتى في حال التكثر ، فرجع ما به الاختلاف إلى ما به الإتحاد.

وهذا التكثر تارة يكون في  الماهية لأنها كثيرة ومتباينة ذاتا أو عرضا ، وتارة يكون في الوجود ، لان حقيقة الوجود وان كانت واحدة الإ أنها ذات مراتب متعددة قوة وضعفا ، تبدأ بأعلى المراتب وأشدها وهي مرتبة واجب الوجود ، وتنتهي بأدنى المراتب واضعفها وهي مرتبة الهيولى ، وما بينهما درجات لا يعلمها إلا الله تعالى . وهنا أيضا يعود ما به الإختلاف والتكثر إلى ما به الإتحاد ، لان الكثرة في نفس الوجود والوحدة فيه أيضا.

ومن خلال ما ذكرنا يتبين بأن الكثرة امر حقيقي وليس أمرا اعتباريا أو وهميا كما تصوره البعض، وان وجود جهة الوحدة _ وهي الوجود _لا يتقاطع مع ثبوت الكثرة ولا ينفيها أو يلغيها بحال من الأحوال.

ويتبين كذلك أن لكل موجود من الموجودات  ذاتا وحقيقة تختلف عن الموجود الآخر،  وأن جهة الوحدة في تلك الموجودات لا يلغي استقلالية كل ذات وحقيقة واندماجها مع بقية الذوات والحقائق،  بل إن لكل موجود ذاته المستقلة الفاعلة المتحققة .

وبالتالي فإن العلة غير المعلول ، والأثر غير المؤثر ، والقديم غير الحادث ، والواجب غير الممكن. 

إن وجود الواجب وجود ذاتي اي إن وجوده بذاته من ذاته لذاته وان وجود الممكن _ وهو كل ما سوى الواجب _ غير ذاتي بمعنى أن وجوده من غيره بغيره لغيره . وان وجود الواجب ليس فيه جهة عدمية ولا ماهية وإنما حقيقته الوجود وذاته الوجود اي له هوية لا ماهية . في حين أن كل ما سوى الواجب له ماهية وله وجود عارض على تلك الماهية ، فليس الوجود ذاته ولا هو حقيقته . وكم فرق بين الأمرين.  وكذا فإن كل ما سوى الواجب مركب من وجود وماهية ، في حين أن الواجب بسيط ليس فيه جهة تركيبية لانتفاء الماهية عنه واكتفاء ذاته بالوجود فهو عين هويته وذاته . وبالتالي فالواجب جامع لكل صفات الكمال ولا يوجد نقص في ساحة وجوده في حين أن كل ما سوى الواجب ليس كذلك. والواجب هو الذي أفاض الوجود على كل ما سواه بإرادته واختياره فهو علة الكل ولا علة له .وكل ما سوى الواجب معلول للواجب مفاض عليه الوجود من قبل الواجب . فالواجب غني بذاته وما سوى الواجب فقير للواجب في كل شيء.

إذن جهة الوحدة والواقعية في الموجودات لا تفضي إلى القول بوحدة الوجود الشخصية كما توهمه جهلة الصوفية وبنوا عليه أفكارهم ومقولاتهم الباطلة.